قلب الموصل القديمة دون نبض
ثلاث مناطق تفتقر للحياة بعد مرور سنوات على انتهاء الحرب

نينوى 2019، المنطقة القديمة المطلة في ايمن الموصل المطلة على ضفاف نهر الدجلة تصوير: كركوك ناو

كركوك ناو - نينوى

الشهوان والقليعات والميدان قلب المدينة القديمة وسط الموصل لم يعد النبض اليه، فتلك المناطق ماتزال مدمرة جراء الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية ("داعش") التي انتهت في 10 تموز 2017، ولم تعمر لغاية اليوم وهي شبه خالية من السكان.

الموصل عاصمة نينوى وثاني كبريات مدن العراق، وكانت مركزا للنزاع بين القوات الأمنية وتنظيم الدولة الإسلامية ("داعش).

البنك الدولي قدر الخسائر المالية التي تكبدها قطاع الإسكان في الموصل بستة مليارات دولار.

2-3
احد معالم الموصل القديمة الذي دمر جراء الحرب

"الحكومة المحلية التي تعاقبت على إدارة محافظة نينوى خلال السنوات الثلاث الماضية تطلب منا العودة الى المنطقة القديمة في الموصل وهي لم تستطع ان تطهر تلك المنطقة من الجثث مجهولة الهوية والمخلفات الحربية وأنقاض المبان ودمار الحرب الشاخص امام انظار الجميع لهذا اليوم 2020" يقول المواطن المسن عبد السميع نواف ذلك.

المدينة القديمة على مسافة أربع كيلومترات تقريبا تضم بين أزقتها وحاراتها 365 معلما تاريخيا وحضاريا من مختلف العصور والديانات كالمسجد النوري والإمام الباهر والإمام محسن، والتي فجرها تنظيم الدولة الاسلامية ("داعش") بحجة وجود قبور فيها، فضلا عن سور نينوى والكنائس والإعدادية الشرقية وقره سراي وغيرها من المعالم".

يتحدث المواطن المسن عبد السميع نواف عبر (كركوك ناو) عن انعدام الحياة في المنطقة القديمة قائلا" كنت املك منزلا في منطقة الميدان مطل على النهر ومنذ 2017 لا اعرف اين ذهب المنزل فالحرب محت التخطيط العمراني للمنازل بعد ان تداخلت الأنقاض مع بعضها البعض الاخر، وهذا دفع بنا الى السكن في الساحل الايسر بمنزل عن بدل ايجاري شهري يقدر بـ 200 ألف دينار، اما التعويضات في عبارة عن حبر على ورق حبيسة رفوف الدوائر الحكومية.

مركز سيز فاير (وقف إطلاق النار) الدولي لحقوق المدنيين والأقليات بتقرير له، كشف أن هناك حوالي 35 ألف مطالبة بالتعويض عن وفيات أو إصابات أو تدمير ممتلكات من قبل ضحايا فترة سيطرة تنظيم الدولة "داعش" لمناطقهم خلال معركة تحرير الموصل.

4الموصل القديمة
المنطقة القديمة وسط الموصل، تصوير: كركوك ناو

"لا يمكن العودة الى منزلي في منطقة القليعات لان المنطقة ماتزال تحتوي على مخلفات حربية وجثث فخلال الساعات الماضية جرى الإعلان عن انتشال 10 جثث مجهولة الهوية من المدينة القديمة" يقول ذلك المواطن سلوان احمد 46 عاما.

عدد البيوت في المدينة القديمة يبلغ نحو 12 ألف بيت قديم، وأن شركة إيطالية أعادت رسم التخطيط العمراني للمدينة عام 2008، وفق المنظور التاريخي للمنطقة، إلا أن الحكومة لم تطبق ذلك على أرض الواقع حينها، حسب ما صرح به في وقت سابق (لكركوك ناو) مدير بلديات نينوى عبد القادر دخيل.

يتحدث المواطن سلوان احمد 46 عاما لـ (كركوك ناو) قائلا، "انا صاحب عائلة مكونة من 7 افراد وأخشى عليهم من الامراض او انفجار مخلف حربي يضر أحدهم وهذا ما يمنعني العودة الى منزلي في القليعات، وان الجهات الحكومية تعد بالأعمار وتأهيل البنى التحتية ولكن دون تنفيذ".

الحرب على تنظيم ("داعش") في الموصل والتي كانت طويلة وعنيفة، حولت الكثير من مناطق المدينة إلى ركام، وتسببت في وقوع ما بين 9000 إلى 11000 ضحية من المدنيين، حسب مختصون محليون ودوليون في مجال التوثيق والدراسات.

 سوق 3الشعارين
محلة سوق الشعارين وسط الموصل، تصوير: كركوك ناو

"صاروخ نوع “كراد” جرى رفعه من دار الايتام في مدينة الموصل القديمة" حسب بيان صادر عن مديرية الدفاع المدني في نينوى والتي اشارت به الى ان فرق معالجة القنابل غير المنفلقة والمتساقطات الجوية التابعة الى مديرية الدفاع المدني تمكن رفع صاروخ نوع گراد محور من دار الايتام التابع لكنيسة الساعة في مدينة الموصل القديمة".

مديرية الدفاع المدني، أعلنت في 26 كانون الثاني 2020 عن انتشال 10 جثث مجهولة الهوية من ايمن الموصل، وقالت المديرية في بيان اطلع (كركوك ناو) على نسخة منه، إن "فريق البحث والإنقاذ (مركز رتل الطوارئ) التابع الى مديرية دفاع مدني نينوى تمكن من انتشال عشر جثث مجهولة الهوية (هياكل عظمية) من منطقتي الشهوان والقليعات بأيمن الموصل"

وأشار بيان المديرية الى "رفع ٣ رمانات يدوية من مخلفات تنظيم الدولة الإسلامية ("داعش") من المنطقة القديمة بواسطة مفرزة المعالجة التابعة لمديرية دفاع مدني نينوى في 26 كانون الثاني 2020 ".

مديرية الدفاع المدني في نينوى أكدت انها رفعت أكثر من 4700 جثة من مناطق الموصل منذ انتهاء عمليات التحرير، 2700 جثث تعود الى مدنيين، فيما بلغت الجثث مجهولة الهوية التي تم رفعها 2000 جثة".

المدينة القديمة التي تقع الى الجزء الغربي من مدينة الموصل (الساحل الأيمن) تضم عشرات المعالم التاريخية الإسلامية والمسيحية واليهودية، ولعل أبرز معلم تاريخي في المدينة هو الجامع النوري الكبير ومنارته الحدباء، التي بنيت في العهد الأتابكي، ودمرت عام 2017 خلال الحرب.

 الدفاع المدني في الموصل
فرق الدفاع تزيل مخلفا حربيا من المنطقة القديمة، تصوير: كركوك ناو

"حكومة بغداد يجب عليها محاسبة جميع المسؤولين في نينوى بتهمة المتاجرة بأرواح سكان الموصل لتحقيق غايات شخصية ومكاسب ذاتية بعد اعلانهم وفي أكثر من مناسبة الانتهاء من تطهير الموصل القديمة من الجثث ومخلفات الحرب" يقول ذلك المواطن علاء ادريس.

ويضيف في حديث الى (كركوك ناو) ان" احياء القليعات والشهوان والميدان مدمرة عن بكرة ابيها فلا وجود للشوارع او المنازل او البنى التحتية الأخرى وان جميع الحملات الحكومية الخاصة بالإعمار والتنظيف لم تشمل هذه المناطق دون توضيح الأسباب، وربما هناك من يحاول الدفع بسكان هذه المناطق الى الضجر والقبول بفكرة استثمار تلك المنطقة المطلة على نهر دجلة".

اللجنة المركزية الخاصة بإعادة اعمار المدينة القديمة في الموصل عقدت اجتماعها الأول، الثلاثاء 10 أيلول 2019، وتم مناقشة جملة من المقترحات التي تختص سبل اعمار الموصل القديمة، فيما اكدت اللجنة استمرار عقد اجتماعاتها لتسريع عملية الاعمار وتعويض المتضررين.

1الدفاع المدني في القديمة
فرق الدفاع المدني خلال مهمة بحث عن الجثث في الموصل القديمة

المراقب للشأن الموصلي ايمن القرغولي أكد ان هناك جهات حكومية تسعى منع إعادة اعمار الموصل القديمة بهدف اخضاعها للاستثمار لاسيما انها منطقة مميزة وعلى مساحة واسعة وتطل على نهر دجلة، والاهم ان الحرب منحت فرصة التخلص من سكانها والمنازل وجميع المبان الأخرى وجعلتها ارض قابلة لتطبيق اية خطة.

ايمن القرغولي أضاف في حديث الى (كركوك ناو)، ان" الاعمار في الرقعة الجغرافية متوقف والتعويضات متوقفة وان المحافظين الثلاثة الذين تعاقبوا على إدارة نينوى بعد الحرب،(نوفل العاكوب، منصور المرعيد، نجم الجبوري) المحو الى إمكانية الاستثمار في هذه المنطقة الا ان الرفض الشعبي في كل مرة لتلميحاتهم وراء عدم تطبيق الخطط او تأجيلها الى وقت اخر الراهن فيه هو نفور أصحاب تلك الدور من استمرار بقاء وضعهم على ما هو عليه والموافقة على ببيع أراضيهم وفق سندات الملكية التي بحوزتهم لشراء منازل في مناطق أخرى".

الموصل القديمة تتميز عن غيرها من المدن أن جميع دورها بنيت من الطوب والآجر (الجص)، ونظام العقدة التي بنيت بها البيوت وسقوفها دون أي تسليح، الأمر الذي يعد فنا معماريا متميزا في البناء لم يعد الكثير من البنائين اليوم يجيدون تقليده.

هذا وشهدت المنطقة القديمة في مدينة الموصل أشرس المعارك التي دارت بين تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والقوات العسكرية العراقية بمساندة طيران التحالف الدولي، اذ ان التنظيم جعل المنطقة القديمة حصنه الأخيرة في مواجهة عمليات التحرير التي انتهت بهزيمته وإلحاق اضرار مادية كبيرة في المنازل والبنى التحتية.

 المدني في القديمة
الدفاع المدني يعمل على وضع دعامات حديدة لمنع انهيار منزل في الموصل القديمة

محافظ نينوى نجم الجبوري نفى وجود فكرة لاستثمار المناطق التراثية بالموصل القديمة.

منظمة اليونيسف الأممية كانت قد أعلنت ان أكثر من 21400 منزل في مدينة الموصل تضررت أو دمرت بشكل كامل، وان الأسر الأشد فقرًا ليس لديها خيار آخر سوى العيش في أنقاض منازلها، في ظروف محفوفة بالمخاطر بالنسبة للأطفال.

نجم الجبوري في حديث صحافي الى (كركوك ناو) قال ان" البعض يروج الى فكرة مفادها رغبة الحكومة المحلية الاستثمار في المنطقة القديمة لاسيما المناطق الثلاث (القليعات، الشهوان، الميدان)، مستندا في الترويج لهذه الفكرة على تأخر الاعمار، لذا لا بد من التوضيح والتشديد ان تلك الفكرة لا صحة لها إطلاقا وان انشاء مشاريع ترفيهية واستثمارية في تلك المناطق على حساب منازل السكان لن يتم".

الجبوري وفي معرض رده على سؤال وجه اليه من قبل (كركوك ناو) عن أسباب التأخر في اعمار الموصل القديمة رغم مرور 3 سنوات على انتهاء عمليات التحرير لفت الى ان "حجم الاضرار هائل وكمية الأنقاض كبيرة فالمنطقة شبه مدمرة بالكامل وان العمل فيها محفوف بالمخاطر جدا وان الجهود متواصلة للخلاص من الأنقاض أولا ومن ثم التخطيط لمرحلة الاعمار".

الموصل القديمة كانت ذات طبيعة جغرافية غير ملائمة للعمليات العسكرية بسبب ضيق شوارعها وقدم منازلها، وتضم الاف العائلات المدنية التي لم تستطيع الفرار من مساكنها، لذلك واجهت القوات العراقية صعوبات جمة في عملية الاقتحام لتلك المنطقة، وبالتالي كلفت العمليات العسكرية، المدنيين الكثير من الخسائر المادية والبشرية.

 المدني في الموصل
مشهد يوضح انتشال الجثث من المنطقة القديمة وسط الموصل

منصور المرعيد محافظ نينوى السابق، وفي جولة ميدانية اجراها في المدينة القديمة وسط الموصل في ١٨ حزيران من العام 2019، ابلغ خلالها مجموعة من السكان يقفون على ركام منازلهم، بأن الحكومة العراقية، تعتزم شراء الوحدات السكنية المهدمة، وصرف تعويضات لأصحابها.

وقال المرعيد خلال الجولة ذاتها، موجها خطابه للأهالي المتجمهرين حوله، وكانوا ينتظرون سماع ما يخدمهم، ان" الجهات الحكومية لا تسمح لأحد بالبناء العشوائي في المنطقة القديمة لاسيما (احياء الميدان والشهوان والقليعات) التي تدمرت، وهناك مقترحات مطروحة في مجلس الوزراء لتحويلها إلى مدينة حديثة، ما يشبه “داون تاون”، حاثا اياهما بقبول عرض بيع منازلهم الى جهات استثمارية لقاء أموال أكثر تمكنهم من شراء منازلا في مناطق أخرى كالساحل الايسر للموصل، او خارج المدينة".

بعد ذلك التصريح للمحافظ اشتعل الشارع الموصلي غضبا، واهتزت الأوساط الثقافية، وتصدرت منصات التواصل الاجتماعية الموصلية ترند (لا لمحو تاريخ الموصل)، فالجميع عد التصريح، دعوة الى تحقيق النفع الذاتي على حساب اهات ومعاناة المواطنين، ثم توالت ردود الفعل الشعبية الغاضبة وتعالت الأصوات المنددة بكل من يحاول المساس بإرث الموصل المعماري، والسكان الذين فقدوا كل ما يملكون وباتوا بحاجة الى المساعدة لا الاستغلال ما دفع بالمحافظ الأسبق الى التراجع عن دعوته وتبريرها بـ "ان الشريط المحاذي للنهر في المنطقة القديمة والممتد من الجسر القديم، نحو الجسر الخامس، هو مدمر بالكامل، وكانت هناك رؤى مقدمة، من المعماريين، والمهندسين، والمختصين، تفييد ببناء الواجهة النهرية بطريقة البناء العامودي كمجمعات سكنية ومشاريع خدمية وترفيهية، كي يستفيد الأهالي منها على اتم وجه، مع تعويض أصحاب الأراضي بتعويضات مجزية.

 ازقة الموصل القديمة
احد الازقة في المنطقة القديمة وسط الموصل

صندوق إعمار المناطق المتضررة أكد استعداده لبناء مجمعات ودور واطئة الكلفة في مدينة الموصل القديمة ضمن المساعي الرامية لحل ازمة السكن التي تشهدها المدينة جراء معركة استعادتها من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية ("داعش").

وكانت الحكومة العراقية قد أعلنت، في يوليو/ تموز 2018، عن تخصيص 5 تريليونات دينار (4.27 مليارات دولار)، لإقراض المواطنين الراغبين بوحدات سكنية، وفي العشرين من الشهر ذاته استضافت العاصمة الأميركية واشنطن، مؤتمر المانحين الخاص بدعم العراق، وشهد تبرعات للدول المشاركة تجاوزت ملياري دولار لإعادة إعمار المناطق المحررة وخلق الاستقرار فيها ودعم النازحين، الا ان سكان الموصل المنكوبين مازالوا لغاية اليوم يؤكدون ان تسيير معاملات التعويض ومطالبات اعمار الاحياء المتضررة تواجه صعوبات عدة ولا تلقى استجابة من قبل الحكومتين المحلية والاتحادية.

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT