قراران من قرية رحيم ورقة..
الفتيات تلازمن البيت والأولاد يكملون الدراسة

كفري/ 2020/ طفلان يلعبان في قرية رحيم ورقة    تصوير: ليلى أحمد

 ليلى احمد – كفري

لكي تصل انتصار حسين (18 سنة) الى مدرستها، وجب عليها قطع 15 كيلومترا من الطرق المعبدة والترابية بركوب الحافلات أو الدراجات الهوائية، إلاّ أن ذويها لم يتقبلوا الأمر وقالوا لها "تزوجي وأسسي عائلتك، أو لازمي البيت."

انتصار فتاة نازحة تعيش في قرية رحيم ورقة منذ عام 2014، كان عليها الذهاب الى قضاء كفري الواقع في منطقة كرميان، من أجل اكمال دراستها في مدرسة مخصصة للنازحين، غير أن حلم انتصار شأنها شأن العشرات من فتيات القرية أصبح ضحية عادات وتقاليد المجتمع الذكوري للقرية، وذلك عندما قررت جميع الاُسَر الساكنة في القرية حرمان بناتهم من الدراسة.

"لا توجد مدرسة في القرية، ووالداي قررا منعي من الذهاب الى المدرسة بسبب الفقر والعوز، حيث لم يكونوا قادرين على تأمين مصروفي اليومي" حسبما قالت انتصار، مضيفةً "في أحد الأيام قالت لي عائلتي بأنه لا ينبغي للفتيات اكمال دراستهن بل يجب عليهن أن تتزوجن أو تصبحن ربات بيت صالحات."

mndall-1

كفري/ 2020/ طفل منهمك بالرسم في قرية رحيم ورقة    تصوير: ليلى أحمد 

لكن يبدو أن المشكلة لا تكمن في المال فقط لأن أهالي قرية رحيم ورقة وجميعهم من النازحين يسمحون لصبيان القرية بالذهاب الى المدرسة بالحافلات أو الدراجات الهوائية.

لميعة عبد الله (47 سنة)، نازحة أخرى في قرية رحيم ورقة، لديها ثلاث بنات وأربعة أولاد، تحدثت لـ(كركوك ناو) قائلةً "زَوَّجتُ اثنين من بناتي وهن في سن ال15 و16 سنة وأخرجتهن من المدرسة، لم أكن استطيع تأمين مصاريف النقل لهن."

في المقابل اشترت لميعة دراجات هوائية لأولادها ويستخدمونها للتنقل من والى المدرسة.

زَوَّجتُ اثنين من بناتي وهن في سن ال15 و16 سنة وأخرجتهن من المدرسة لم أكن استطيع تأمين مصاريف النقل لهن

 "أولادي يذهبون الى مدرستهم في قرية دوانزه إِمام (الأئمة الاثني عشر) منذ سنوات بالدراجات الهوائية." تبعد قرية رحيم ورقة 15 كيلومتراً عن قضاء كفري.

العوائل الثمانية عشرة الساكنة في القرية نزحوا من منطقة العُظيم في محافظة ديالى منذ أواسط عام 2014 الى قضاء كفري وهم يعانون من ظروف اقتصادية صعبة.

تقول لميعة "وضعنا الاقتصادي سيء جداً، زوجي عامل بناء وبالكاد يستطيع تأمين لقمة العيش، كما أن القرية تعاني من تلوث مياهها وافتقارها لمراكز صحية ومدارس."

إخراج الفتيات من المدرسة يحدث بالرغم من أن المادة 34 من الدستور العراقي تنص على أن التعليم عاملٌ أساس لتقدم المجتمع وحقٌ تكفله الدولة.

وبموجب المادة 26 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان لكل شخص حق في التعليم.

بعض الأسر أقحمت بناتها في مشاكل ومعاناة جمة بعد أن قرروا اخراجهن من المدارس واجبارهن على الزواج في سن مبكرة.

layla

كفري/ 2020/ مراسلة كركوك ناو، ليلى أحمد، تتحدث مع احدى فتيات قرية رحيم ورقة  

صبرية محمد (57 سنة) تقول بأنها أبقت ثلاثة من أولادها في المدرسة لكنها اخرجت اثنين من بناتها، مبررة ذلك بسوء حالتهم المعيشية.

وتضيف صبرية "بعد أن أخرجت ابنتي البالغة من العمر 15 سنة من المدرسة زَوَّجتُها، لكنني نادمة جداً، فقد واجهت مشاكل عائلية كثيرة لأنها صغيرة وغير قادرة على تحمل المسؤولية."

الى جانب حرمان الفتيات من الدراسة فالمستوى العلمي للأولاد متردي بحسب ما اشار اليه معاون مدير المدرسة الخاصة بالنازحين، حيث قال "ظروفهم المعيشية صعبة جداً والعوائل لا تستطيع تحمل اعباء ومصاريف ابنائهم."

"الأولاد يعملون بجانب الدراسة والفتيات محرومات من دراستهن، فهن إمّا يُزَوَّجن أو تلازمن البيت"، كما يقول مهدي محمد، معاون مدير المدرسة.

الأولاد يعملون بجانب الدراسة والفتيات محرومات من دراستهن، فهن إمّا يُزَوَّجن أو تلازمن البيت

حرمان فتيات قرية رحيم ورقة من الدراسة يأتي في الوقت الذي أظهرت فيه احصائيات وزارة التخطيط العراقية للعام الدراسي 2017-2018 والتي شملت كافة المدارس الابتدائية في العراق باستثناء اقليم كوردستان، الى أن عدد الطلاب بلغ ستة ملايين و197 الف و870 طالباً، ثلاثة ملايين و286 ألف و712 منهم من الذكور ومليونان و911 ألف و158 من الاناث.

انتصار التي حرمتها أسرتها من الدراسة، لا تزال متعلقة بحلمها، وهو أن تصبح معلمة، لكن كلمات أهلها لا تزال ترن في أذنيها حينما قالوا لها "تكوين العائلة والبيت أفضل للفتاة من الدراسة.

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT