الزواج المبكر، كابوس يؤرق حياة الفتيات

تصوير: Sage Friedman ، الصورة مأخوذة من موقع unsplash في 2 تموز 2020

ليلى أحمد

حاولت (أحلام) كثيراً اقناع والدتها بالعدول عن رأيها، لكن القرار كان خارج ارادتها أيضاً، لذا تزوجت وتركت دراستها.

حجة عائلة أحلام لدفعها الى الزواج وهي في سن صغيرة كان سوء حالتهم المعيشية ورغبتهم في تخفيف أعباء العائلة، حيث أن والدها كان يعاني من مرض عضال أقعده في الفراش سنواتٍ عدة وتكاليف علاجه فاقت امكانياتهم المادية.

"كنا بحاجة الى أموال كثيرة لعلاج زوجي، ولم تكن لدي وظيفة، لذا حينما تقدم أحد أقربائنا لطلب يد ابنتي الكبرى، اضطررت للموافقة"، هذا ما قالته والدة أحلام، فاطمة محمود (52 سنة)، حول زواج ابنتها المبكر.

عندما تزوجت ابنة فاطمة الكبرى، كانت حينها طالبة مدرسة عمرها 14 سنة فقط وكانت أحياناً تلعب مع رفيقاتها في الزقاق.

"أحَسَّت بإحباط كبير، كانت تقول لي رفيقاتي لا زلن في المدرسة في حين أنني تزوجت، كيف أذهب للمدرسة بهذه الحال"، تقول فاطمة لـ(كركوك ناو) والدموع تسيل من عينيها، وهي تعتقد في قرارة نفسها بأنها تتحمل مسؤولية جزء كبير من المعاناة التي حلّت بابنتها.

أحَسَّت بإحباط كبير، كانت تقول لي رفيقاتي لا زلن في المدرسة في حين أنني تزوجت، كيف أذهب للمدرسة بهذه الحال

لهذه العائلة التي تقطن في قضاء خانقين ابن وابنة أُخرَيان أصغر سناً من أحلام وهما مستمران في الدراسة بعد زواج اختهما الكبرى، أحلام "ضحت بنفسها في سبيل تحسين معيشة عائلتها"، ومن هناك أصبحت حياتها أصعب وأمَرّ.

لا توجد احصائيات دقيقة ورسمية حول معدلات الزواج المبكر في العراق، لكنها، وبحسب الناشطين والمنظمات الحكومية في تزايد بسبب الظروف الصعبة التي عصفت بالبلاد خلال الأعوام السابقة، من ضمنها تداعيات حرب داعش والأزمة المالية.

آري أحمد، محامي استشاري في محكمة كركوك قال لـ(كركوك ناو) "حالات الزواج المبكر مستمرة في مركز المدينة، النواحي والقرى، يرجع بعضها الى الحب في فترة المراهقة، اساءة استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، قلة الوعي والتسلط الديني.

استعرض آري بعض القضايا المرتبطة بحالات الزواج المبكر لفتيات في سن الرابعة عشرة والخامسة عشرة، والتي انتهت بالطلاق بعد فترة وجيزة.

awaraduhokk

دهوك/ فتاة نازحة في احدى المخيمات التي تأوي نازحي حرب داعش   تصوير: منظمة Oxfam

 "هذا النوع من الزواج تنتج عنه مآسي كبيرة، فهم لا يمكنهم أن يحسوا بالمسؤولية... الانفصال يترك آثاراً سيئة على مستقبل الأطفال ويؤدي الى خلق شرخ بين عائلتين"، يقول آري، مضيفاً أن بعض حالات الزواج تلك تحصل خارج النظام القضائي عن طريق رجال الدين وهذه مشكلة أخرى تواجه المحاكم.

بموجب أحكام قانون الأحوال الشخصية في العراق، يُعاقَب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد على سنة، او بغرامة لا تقل عن ثلاثمائة دينار، ولا تزيد على ألف دينار، كل رجل عقد زواجه خارج المحكمة، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد على خمس سنوات، إذا عقد خارج المحكمة زواجاً آخر مع قيام الزوجية.

فاطمة محمود ورطت ابنتها بنفسها في دوامة المآسي حينما أجبرتها على الزواج في سن لا يؤهلها للتعايش في كنف عائلة أخرى.

أحلام كانت تسكن مع عائلة زوجها، كان ذلك المنزل بمثابة جحيم لها، زوجها كان يغار كثيراً، لم يكن يعطيها المصروف

"أحلام كانت تسكن مع عائلة زوجها، كان ذلك المنزل بمثابة جحيم لها، زوجها كان يغار كثيراً، لم يكن يعطيها المصروف، كنا نعطيها المصروف من جيبنا لكي تؤمن احتياجاتها، كل ذلك كان بدافع درء الفضائح."

تقول فاطمة بعد أن اصبحت مكتوفة الأيدي أمام ما يحصل لابنتها "وصل الأمر الى الحد الذي أقدم فيه زوجها على حبسها داخل البيت، وكان يلزمها بلبس العباءة عند خروجها معهم، اضافةً الى سلوكه العدواني الذي تمثل بالضرب والاهانة، لذا أقسمت بأنني لن أدع ابنتي الأخرى تتزوج ما لم تصل الى سن مناسب للزواج".

وتنص الفقرة الأولى من المادة السابعة من قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لعام 1959 المعدل على أنه يشترط في تمام اهلية الزواج العقل واكمال الثامنة عشرة . ويستثنى من ذلك المادة (8) الفقرة 2 للقاضي ان يأذن بزواج من بلغ الخامسة عشرة من العمر اذا ثبت له أهليته وقابليته البدنية بعد موافقة ولي أمره الشرعي، فإذا امتنع الولي طلب القاضي منه موافقته خلال مدة يحددها له، فإن لم يعترض أوكان اعتراضه غير جدير بالاعتبار أذن القاضي بالزواج.

أما الفقرة الثانية من المادة الثامنة فتنص على أن للقاضي أن يأذن بزواج من بلغ الخامسة عشرة من العمر إذا وجد ضرورة قصوى تدعو إلى ذلك ويشترط لإعطاء الإذن تحقق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية.

zhnan-9

كركوك/ 2020/ تجمع نسائي للمطالبة بإنهاء العنف ضد المرأة   تصوير: كركوك ناو

ناصر شمو(16 سنة)، من أهالي قضاء سنجار، تزوج من فتاة أصغر منه بعام واحد.

"قبل الزواج كانت بيننا علاقة حب، لذا قررنا أن نعيش معاً لبقية حياتنا، أقمنا مراسيم الزواج خلال فترة حظر التجوال المفروض بسبب فيروس كورونا."

وقال ناصر لـ(كركوك ناو) "أعتقد بأن الزواج في هذا السن أمر طبيعي، لأن السعادة والنجاح ليسا مرهونين بالعمر، بل بالتفاهم والمودة."

تشير احصائيات السلطة القضائية الاتحادية في العراق الى أن نسبة الطلاق في حالات الزواج المبكر ازدادت منذ عام 2014، وأغلب حالات الطلاق تحدث خارج المحاكم.

مراد نمر، ناشط مدني في سنجار يقول بأن المعلومات التي حصلوا عليها تؤكد بأن معدلات الزواج المبكر في تصاعد، مشيراً الى أن بعضهم يلجأ الى اخفاء عمرهم الحقيقي أويبقون زواجهم سراً.

حسبما أوضح مراد لـ(كركوك ناو) فان هناك اسباباً عديدة تقف وراء حالات الزواج المبكر، منها "علاقات الحب في فترة المراهقة، التقليد، التباهي بالإضافة الى هروب بعض الفتيات بعد معارضة أسرهن للزواج."

وتشير تقارير منظمة اليونيسيف الة أن ما يقدر بـ 12 مليون فتاة تحت سن 18 عاما تتزوجن سنويا في العالم.

لدي ثلاث بنات، أحوالنا المعيشية سيئة، نعيش في بيت بالإيجار وزوجي مريض ويرقد في الفراش، لذا اضطررت لتزويج ابنتي لتخفيف جزء من أعبائنا

"لدي ثلاث بنات، أحوالنا المعيشية سيئة، نعيش في بيت بالإيجار وزوجي مريض ويرقد في الفراش، لذا اضطررت لتزويج ابنتي لتخفيف جزء من أعبائنا"، تقول سعاد عبدالله.

تزوجت ابنة سعاد في سن الثالثة عشرة من أحد أقربائها خارج اطار المحاكم.

"عندما بلغت ابنتي الخامسة عشرة ذهبنا الى المحكمة لاستصدار عقد زواج رسمي."

سعاد التي تسكن في كركوك، يعتصرها الهم أكثر من قبل، "زواج ابنتي كان اشد ألماً من الفقر والعوز الذي عشناه، أصبح حريقاً أكتوي بناره كل يوم."

سعاد تشعر بالندم الآن، ولكن كما تقول بعد فوات الأوان، منذ أن تركت ابنتها الدراسة وتزوجت "لا يمر يوم دون أن تتعرض للضرب والاهانة في بيت زوجها."

awara

كركوك/ 2017/ عائلة نازحة بعد فرارها من قبضة داعش   تصوير: كركوك ناو

سرود أحمد، مديرة مكتب جمعية الأمل العراقية في كركوك قالت لـ(كركوك ناو) "تزويج القاصرات في تزايد، خصوصاً خلال السنوات الأربع الماضية، حيث تم تزويج فتيات كن لا تَزَلن طالبات في الصف السابع، الثامن والتاسع الأساسي، بعضهن أصبحن حوامل في تلك السن الصغيرة، وبينهن من رزقت بطفلين وهي في الصف العاشر."

منظمة الأمل أقامت العديد من الأنشطة الفعاليات والندوات للتوعية حول مخاطر الزواج المبكر وتبعاتها القانونية.

في هذا الصدد تقول سرود "أصبحت هذه الظواهر جزءاً من التقاليد.. تبعاتها تتمثل في القتل، الحرق، الهروب من المنزل وترك الدراسة" وعَزَت اسبابها الى الفقر، الدين، عدم تطبيق القوانين، التأثير السلبي لشبكات التواصل الاجتماعي وقلة الوعي.

أصبحت هذه الظواهر جزءاً من التقاليد.. تبعاتها تتمثل في القتل، الحرق، الهروب من المنزل وترك الدراسة

مديرة مكتب كركوك لجمعية الأمل العراقية غير متفائلة بانحسار حالات الزواج المبكر، بل أنها حذرت من تفكك المجتمع اذا لم يتم التصدي لهذه الظاهرة سريعاً.

بحسب متابعات منظمة اليونيسيف فان الفتيات التي يتم تزويجهن قبل بلوغ سن الثامنة العشرة أكثر عرضة للعنف، التهديد والمشاكل الصحية.

أحلام، ابنة فاطمة محمود في خانقين، مثال للفتيات اللواتي تعرضن لمشاكل عائلية نتيجة الزواج المبكر، لم تستطع أن تمكث مع زوجها أكثر من عام وعادت الى منزل أبيها.

 "أحلام عادت الى منزل أبيها وانفصلت عن زوجها، ليس لديها أطفال وهي تعيش معنا الآن، لا زالت تعاني من صدمة حياتها السابقة المزرية."

 "لم نر خيراً من ذلك الزواج، والد أحلام توفي بعد عدة أشهر بمرض السرطان" كما قالت فاطمة.

كل ما بقي من زواج أحلام المبكر هوهم أخر أضيف الى هموم عائلتها.

 

* شارك في اعداد هذه المتابعة، عمار عزيز

- أسماء الأشخاص المذكورة في هذا التقرير هي أسماء مستعارة

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT