مقاعد كوتا المكونات بين مخاوف التشتت وطمع الأحزاب الكبيرة

الصورة مأخوذة من موقع unsplash في 4 أيار 2020

 عمار عزيز

الأقليات القومية والدينية في العراق تقع في كل عملية انتخابية تحت هيمنة وصراعات الأحزاب السياسية الكبرى، وهي تأمل في أن تقوم تلك الأحزاب على الأقل بحماية تمثيلها الحقيقي في مجلس النواب، الذي يشكلون فيه نسبة 3% من مجموع مقاعد البرلمان وهي منظمة بحسب مبدا الكوتا.

من مجموع 329 مقعداً، خُصصت 9 مقاعد فقط للمكونات من حصة عدد من المحافظات، خمسة مقاعد للمسيحيين، وخصص مقعد واحد لكل من المكون الايزيدي والشبكي والصابئي والكردي الفيلي، والمجموع أربعة مقاعد، وذلك بحسب قانون انتخابات برلمان العراق.

في الانتخابات البرلمانية الاخيرة التي جرت في ايار 2018، تنافس أكثر من 20 ائتلافاً وقوائم فردية للحصول على مقاعد الكوتا.

 وتلجأ بعض الأحزاب والكتل الكبيرة الى وضع مرشحين من المكونات الأخرى في قوامها بهدف جمع أصوات الناخبين من الأقليات القومية والدينية، أو يقحمون أعضاء ومرشحين تابعين لهم للمنافسة على مقاعد الكوتا خارج قوائمهم.

 المسيحيون، أغلبية الكوتا

خُصص في البرلمان العراقي مقاعد كوتا للمكون المسيحي في كل من محافظات بغداد، نينوى، كركوك، أربيل ودهوك، تتنافس سبعة احزاب سياسية وعشرات المرشحين المستقلين للحصول عليها. في برلمان اقليم كوردستان يمتلكون خمسة مقاعد كوتا، ما عدا مقاعد مجالس المحافظات.

kristian (1)

دهوك/ 2019/ احدى المناسبات الخاصة بالمكون المسيحيين   تصوير: كركوك ناو 

الأحزاب المسيحية التي تمتلك بعضها جماعات مسلحة وتربطهم مصالح مع الكتل الكبيرة دخلت في الانتخابات السابقة بصورة متشتتة ودخل 70 مرشحا الصراع على مقاعد الكوتا الخمسة.

 "حقوق الأقليات لا تُراعى باي شكل من الأشكال في البرلمان، الأغلبية تقرر نيابة عنا، يفرضون قراراتهم وقوانينهم علينا وعلى المكونات الأخرى، لذا يجب أن يقوموا بزيادة عدد مقاعد الكوتا للحد من هذه الانتهاكات" هذا ما قاله رئيس حزب اتحاد بيت نهرين الوطني ل(كركوك ناو).

ويعتقد يوسف يعقوب متا بأن هناك عوامل عديدة وراء انخفاض عدد اصوات المسيحيين الى الحد الذي لا يستطيعون فيه تحديد ممثليهم الحقيقيين وبالتالي يقعون تحت هيمنة الأحزاب والكتل الكبيرة، منها هجرة المسيحيين الى خارج البلاد.

بعد أن بسط تنظيم داعش سيطرته على الموصل في عام 2014، وضع المسيحيين أمام ثلاثة خيارات: اعتناق الاسلام، دفع الجزية أو مغادرة مناطقهم دون أي أمتعة، لذا اختار معظمهم النزوح.

"يجب على الحكومة أن تجد حلاً لمشاكل المسيحيين لكي يتمكنوا من انتخاب ممثليهم الحقيقيين وأن أن يحصلوا على مقاعد أكثر ضمن الكوتا المخصصة لهم."

يقول يعقوب متا بأن بعض القرارات والقوانين التي صدرت من البرلمان ومفوضية الانتخابات لم تخدم مصالحهم، منها العمل ببطاقة الناخب البايومترية والتي لم تكن بحوزة أغلبية المسيحيين في المهجر، وكذلك عدم تخصيص مراكز انتخابية خارج العراق كافية من حيث العدد وقريبة من مناطق سكناهم. 

في تسعينات القرن الماضي، كانت أعداد المسيحيين في العراق تُقَدَّر بمليون و500 ألف نسمة، أي ما يقارب 30% من سكان العراق، وحتى نهاية حكم نظام البعث في 2003 كانوا يُقَدَّرون بحوالي 800 ألف مواطن.

في الوقت الحاضر، قلت أعداد المسيحيين في العراق الى ما دون 500 الف شخص، وذلك وفقاً لإحصائية حصلت عليها (كركوك ناو) من الكاردينال لويس ساكو بطريرك الكلدان في العراق والعالم في عام 2019.

 الكورد الفيليون، تجربة جديدة في نظام الكوتا

خصص مقعد كوتا للكورد الفيليين في البرلمان للمرة الأولى في الانتخابات السابقة، وذلك ضمن حصة محافظة واسط، وتنافس عدد من الائتلافات والكيانات السياسية ب12 مرشحاً للفوز بالمقعد.

parlaman-1

بغداد/ 2019/ من مجموع 329 مقعدا تم تخصيص 9 مقاعد فقط في البرلمان العراقي   للمكونات والأقليات القومية والدينية     تصوير: كركوك ناو 

 كان للفيليين مقعدان في مجالس محافظتي بغداد وواسط قبل أن يتم حل مجالس المحافظات، ولم يُخصص أي مقد لهم في برلمان ومجالس محافظات اقليم كوردستان.

"معظم اولئك الذين يصلون البرلمان ومجالس المحافظات عن طريق كوتا المكونات، على سبيل المثال الكورد الفيليون، لا يمثلون مكوناتهم تمثيلا حقيقيا، بل  يمثلون الأحزاب التي تدعمهم" كما يقول قال جواد ملكشاهي، أحد الشخصيات الفيلية في بغداد.

باعتقاد ملكشاهي فان أكبر مشكلة تواجههم تتمثل في هيمنة الأحزاب الكبيرة اثناء الانتخابات.

"الذين يتمكنون من الفوز بمقعد الكوتا المخصص للكورد الفيليين هم اولئك الذين يلقون الدعم من الأحزاب الشيعية الكبيرة، وهم يأتمرون بامرتهم ولا يعطون أي أهمية لحقوق الكورد الفيليين."

تُقَدَّر أعداد الكورد الفيليين في العراق بأكثر من 800 ألف شخص، يقطن أغلبهم في محافظات ديالى، بغداد وواسط.

يقول ملكشاهي بأن عدم وجود ائتلاف كبير جعل أصوات الايزيديين مشتتة وبالتالي يفشلوا في اختيار ممثل حقيقي لمكونهم في البرلمان.

"باعتقادي فَاِنَّ تخصيص مقعد كوتا واحد في بغداد هو ظلم كبير بحق الكورد الفيليين، حيث يعيش أغلبيتهم في تلك المحافظة، وبدون شك فالمقعد المخصص ضمن محافظة واسط هي من نصيب الأحزاب الاسلامية الشيعية ولن تلعب أي دور في استعادة حقوقنا."

في فترة حكم النظام البعثي في العراق، تعرض الكورد الفيليون الى حملات تهجير وسلب الهوية، جراء كونهم كورداً وشيعةً في الوقت نفسه، وقد اعتبرت المحكمة الجنائية العليا في العراق في عام 2010 الجرائم التي تعرض لها الكورد الفيليون جرائم ابادة جماعية.

الكاكائيون، أقلية مغبونة

 ليس للكاكائيين أي مقعد كوتا في عموم العراق، ما عدا مجلس محافظة حلبجة التي لم يتم تشكيلها بعد.

في الدورات السابقة لم يكن للكاكائيين ممثلين في البرلمان، وذلك على الرغم من تواجد مرشحين لهم ضمن القوائم والكيانات، حيث لم يتمكنوا من الفوز بالأصوات المطلوبة.

kakaiy-1

كركوك/ 2019/ مواطنون من المكون الكاكائي في داقوق    تصوير: كركوك ناو 

سردار أرجمن، أد رؤساء العشائر الكاكائية يوجه اصابع اللوم للأحزاب العربية والكوردية التي لم تدعمهم حتى يتم الاقرار بالمكوّن الكاكائي أثناء صياغة الدستور، وتخصيص مقاعد لهم في البرلمان، معتبرة ذلك ظلماً فاضحاً بحق المكوّن.

"أصبحنا ضحايا مرتين، مرة بسبب كوننا أكراد ومرة اخرى بسبب كوننا كاكائيين، لدينا تراث ومذهب خاص بنا، وطالما قدمنا ضحايا وتم استهدافنا من قبل الجماعات المسلحة" يقول سردار أرجمن.

يقطن الكاكائيون في مناطق متفرقة في اقليم كوردستان والعراق، اضافةً الى نينوى، يتواجد الكاكائيون في كل من كركوك، حلبجة، أربيل، خانقين وبعض المناطق الأخرى في ديالى، وبحسب احصائيات غير رسمية يُقَدّر عددهم بحوالي 100 ألف شخص.

هناك العديد من المزارات الدينية للكاكائيين في كل من كركوك، نينوى وحلبجة، الاّ أن ديانتهم لم تُقَرّ رسمياَ في الدستور العراقي.

"الأحزاب، الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني، كل جهة تعاملت مع الكاكائيين وفقاً لمصالحها، واستخدموهم في صراعاتهم خصوصاً أثناء الانتخابات"، حسبما يقول سردار أرجمن الذي أضاف بأنه "رغم عدم انكار حقيقة أن تلك الأحزاب عملت على حماية الكاكائيين، الا أنهم حرصوا ايضاً على توظيف قضية الكاكائيين بالشكل الذي تقتضيه مصالحهم."

ضغط الكاكائيون أكثر من مرة لتخصيص مقعد كوتا لمكونهم، وتعود آخر محاولة بهذا الاتجاه  الى أواخر العام 2019، غير أن جهودهم لم تثمر عن شيء.

وكانت ألماس فاضل، العضوة في اللجنة القانونية للبرلمان العراقي قد قالت سابقاً ل(كركوك ناو) "للأسف لم يحصل مقترح تخصيص مقعد كوتا للكاكائيين على الأصوات المطلوبة ضمن اللجنة القانونية، حيث صوَّت أربعة أعضاء من مجموع 15 عضواً لصالح المقترح، لذا لم يُدرَج ضمن جدول أعمال البرلمان لكي يتم التصويت عليه في اطار قانون الانتخابات."

الشبك، أصوات مشتتة

خصص قانون الانتخابات مقعد كوتا للمكون الشبكي من حصة محافظة نينوى، ويتنافس عليه في كل عملية انتخابية عدد من مرشحي الأحزاب والتحالفات.

في الانتخابات الأخيرة، تمكن الشبك من الفوز بمقعد آخر على قائمة تحالف الفتح الشيعي اضافةً لمقعد الكوتا.

shabak

دهوك/ 2016/ مخيم للنازحين الشبك في قضاء بردرش   تصوير: كركوك ناو 

غزوان الداودي، احدى شخصيات الشبك في نينوى قال ل(كركوك ناو) "يوجد تياران رئيسيان يمثلون الشبك، يتبع 60% منهم الأحزاب العربية فيما ينتمي البقية للأحزاب الكوردية، بالأخص الحزب الديمقراطي الكوردستاني، لذا فان أصواتهم موزعة ولا يستطيعون أن يرسلوا أكثر من ممثل حقيقي لهم الى البرلمان."

 ويتوقع الداودي بأن يضمن الشبك ثلاثة مقاعد برلمانية اذا ما صَوَّت الشبك لمرشحيهم حسب عدد الأصوات التي يملكونها، لكن هذه الأصوات موزعة على المكونات والأحزاب الأخرى.

 يُقَدَّر عدد الشبك في العراق بحوالي 300 ألف أو350 ألف شخص، 60% منهم يتبعون المذهب الشيعي أما البقية فمن السُنَّة، ويتوزع الشبك على مناطق بعشيقة، برطلة، الحمدانية، تلكيف وعدد من أحياء الموصل وبعض قرى سهل نينوى.

"قبل كل انتخابات، تُبذل الجهود لتوحيد أصوات الشبك، ولكن مع اقتراب اجراء العملية الانتخابية تُلغى جميع الاتفاقيات وتتشتت أصوات الناس" حسبما يقول غزوان الداودي بشأن تأثير هيمنة الفصائل الأخرى.

الايزيديون، تعدد في الأحزاب والمرشحين

للايزيديين، الذين يسكن أغلبهم في نينوى، مقعد واحد فقط في البرلمان، والذي تنافس عليه في الانتخابات السابقة أكثر من خمسين مرشحاُ.

"من الضروري أن يتفق الايزيديون فيما بينهم على المشاركة بقائمة موحدة، وأن لا تكون أعداد المرشحين كبيرة،...وذلك حتى لا تتشتت اصواتهم،" هذا ما يراه شهاب أحمد، صحفي ونازح في مخيم قاديا في قضاء شيخان، ويؤمن شهاب بأن الخلافات الداخلية وكثرة المرشحين هي من اسباب ضياع عدد كبير من أصوات الناخبين الايزيديين.

الخلافات الداخلية وكثرة المرشحين هي من اسباب ضياع عدد كبير من أصوات الناخبين الايزيديين

في الانتخابات الأولى للبرلمان العراقي التي جرت في عام 2005، أصبح للايزيديين مقعد كوتا في البرلمان، رغم أنه بحسب قرار المحكمة الفدرالية التي حددت 100 ألف صوت لكل مقعد كان من المفروض أن يكون عدد مقاعدهم أكثر، الاّ أن القرار لم يَحُز على الدعم من قبل البرلمان.

تُقَدَّر اعداد الايزيديين في العراق بحوالي 550 ألف شخص، يعيش 360 ألف منهم في حالة نزوح، فيما هاجر 100 ألف آخرون خارج البلاد، وذلك وفقاً لاحصائية أعلنتها المديرية العامة لشؤون الايزيديين في حكومة اقليم كوردستان.

ألياس خيري، نازح ايزيدي في دهوك، يقول بأن النزوح ونقص الخدمات في المناطق الأصلية للايزيديين أدى الى أن يهتم أقل عدد من الايزيديين بنتائج الانتخابات والحرص على تمثيل حقيقي لمكونهم في البرلمان.

"فوز أي من المرشحين ليس له اهمية بالنسبة الينا، الناس غاضبة ويائسة، لأننا ندرك بأن من سيذهب الى البرلمان لن يفعل شيئاً لنا" كما يقول ألياس.

 في الانتخابات السابقة تمكن الايزيديون من الحصول على مقعدين في البرلمان في اطار قوائم الأحزاب الكوردية والعربية، اضافةً الى مقعد الكوتا.

ezedy1

لالش، شابة ايزيدية تحتفل بعيد الاربعاء الاحمر في معبد لالش المقدس لدى اتباع الديانة الايزيدية تصوير: كركوك ناو 

 جندي اسماعيل، سكرتير الحركة الايزيدية من أجل الاصلاح والديمقراطية قال ل(كركوك ناو9 "الأحزاب الايزيدية تتنافس للفوز بمقعد الكوتا، والجهات الأخرى المتمثلة بالشيعة والسنة وأحزاب اقليم كوردستان تستولي على أصوات الايزيديين لصالحها."

 وأكد جندي على "ضرورة أن يحاول الايزيديون الفوز بمقاعد اخرى اضافة الى الكوتا باللجوء الى عقد اتفاقيات وتشكيل قوائم موحدة" مشيراً الى ان أنهم شكلوا تحالفاً للأحزاب الايزيدية في الانتخابات السابقة لكنها فشلت وتفككت.

ويعتقد جندي بأن الايزيديين " يتعرضون لظلم كبير"، وأشار الى أن أصوات النازحين في دهوك وأغلبيتهم ايزيديون لم تُحسَب بسبب شكوك بعمليات تزوير في الانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 2018.

وقد سعى الايزيديون الى تخصيص مقعد كوتا لهم في برلمان اقليم كوردستان ولكن مطالبهم لم تلق آذاناً صاغية.

 الصابئة المندائيون، تنافس فردي

بموجب نظام الكوتا في قانون الانتخابات في العراق تم تخصيص مقعد وحيد للصابئة المندائيين في محافظة بغداد، سعى للفوز به في الانتخابات الأخيرة ستة مرشحين ضمن قوائم منفردة.

تعتبر المندائية من اقدم الديانات والشرائع السماوية والتي نشأت على ارض وادي الرافدين وبالتحديد في مدينة أور جنوب العراق والمناطق المحيطة بالأهوار والأنهار، أتباع هذه الديانة لهم مراسم وشعائر دينية خاصة بهم.

يبلغ تعداد الصابئة في العراق قرابة 200 الف نسمة ويعيشون في العاصمة بغداد ومدن أخرى مثل البصرة، الناصرية، ديالى والديوانية.

حصل الصابئة المندائيون على مقعد كوتا في الانتخابات التي جرت في عام 2010، وخصص لهم مقعد واحد في مجلس محافظة بغداد، فيما يطالبون بمقعد في المجلس القادم لمحافظة البصرة.

 

شارك كل من محمد ألماس وأمير خانقيني في اعداد هذه المتابعة الصحفية

 

 

 

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT