بغداد: المفوضية الجديدة للانتخابات... القضاة أمام خيارين

ناخب يدخل اصبعه في الحبر الخاص بعملية التصويت بعد ادلائه بصوته   تصوير: كركوك ناو

كركوك ناو

القانون الجديد للمفوضوية العليا المستقلة للانتخابات في العراق وضع نهاية للترشيح من قبل الأحزاب و نقل سلطة تعيين أعضاء المفوضية من البرلمان الى المجلس القضائي، و رغم ذلك فان ضمان اجراء انتخابات "نزيهة و قضاء محايد" يظل محل شك.

القانون الجديد تمت المصادقة عليه بأغلبية أعضاء البرلمان في كانون الأول 2019 تلبية لمطالب المتظاهرين في بغداد و مدن اخرى آنذاك، و الذين أكدوا على ضرورة تغيير المفوضية السابقة و ابعاد يد الحزب عن هذه المؤسسة.

القانون الجديد للمفوضية

بموجب القانون الجديد لمفوضية الانتخابات فان المفوضية تعتبر هيئة مستقلة و محايدة و تتألف من قسمين رئيسيين، مجلس المفوضين و دائرة الانتخابات، فيما تدار المفوضية من قبل تسعة أعضاء من مجلس المفوضين.

هؤلاء الأعضاء التسعة التابعين لمجلس المفوضين سيختارون بينهم فيما بعد رئيسا، نائبا للرئيس و مقررا للمجلس، فيما سيصبح أحدهم رئيسا لدائرة الانتخابات.

سيتم اختيار خمسة قضاة للمفوضية الجديدة للانتخابات من قبل المجلس القضائي الأعلى، و قاضيان من قبل المجلس القضائي الأعلى في اقليم كوردستان، فيما سيتم اختيار مستشارين اثنين ضمن مجلس الدولة من قبل المجلس القضائي و اللذان سيصبحان أعضاء في المفوضية.

و من ثم يتم اختيار أسماء تسعة قضاة لمجلس المفوضين ضمن عدد من الأسماء المقترحة بالقرعة و ذلك في مراسيم خاصة بحضور مبعوث الأمم المتحدة.

و يشترط أن يكون القضاة مستقلين و لا ينتمون للأحزاب، مع أخذ نسبة مخصصة للنساء ضمن المجلس بنظرالاعتبار ، و هو أحد الشروط التي كانت موجودة في القانون القديم.

un-1

بغداد/2019/ اختيار الأعضاء الجدد لمفوضية الانتخابات بالقرعة بحضور ممثل الأمم المتحدة   تصوير: اعلام المجلس القضائي

بموجب القانون القديم الذي تمت المصادقة عليه في 2007 و تم تعديله فيما بعد، أسماء المرشحين كانت تقدم للبرلمان من قبل الكتل البرلمانية و من ثم يتم اختيار تسعة أعضاء لمجلس المفوضين في جلسة مخصصة لهذا الغرض.

مدة العضوية في المفوضية الجديدة هي دورة واحدة مؤلفة من أربع أعوام غير قابلة للتمديد، و هذا الشرط لم يكن موجودا في القانون القديم.

مكتب المفوضية في المحافظات يدار من قبل شخص بدرجة مدير، و المكتب يرتبط بصورة مباشرة بمركز دائرة الانتخابات في المكتب الوطني و لكن شؤون مكاتب المحافظات أصبحت تدار بصورة مؤقتة من قبل شخص قائم بالأعمال في الأشهر القليلة الماضية الى حين اعادة تنظيم عمل المكاتب.

عدد آخر من المواد الموجودة في القانون الجديد للمفوضية ظلت على حالها بدون تغيير.

حلان لثلاثة معضلات

يقول رئيس أول مفوضية للانتخابات في العراق بعد سقوط النظام في 2003، بأنه اذا كان القانون الجديد قد حل مشكلتين فقد أثار عدة مشاكل.

عادل اللامي، رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في (2004 – 2007) قال ل(كركوك ناو) "أبرز عيوب القانون القديم كان يتمثل في أمرين، أحدهما تعيين رئيس دائرة الانتخابات من قبل مجلس المفوضين نفسه لمدة سنة واحدة، الأمر الذي كان يمهد للأحزاب بأن تتناوب تولي المنصب فيما بينها."

"الأمر الآخر كان تعيين المفوضية من قبل البرلمان و الذي كان يمهد للأحزاب تقديم مرشحيها على أساس مبدأ المحاصصة و الانتماء الحزبي."

و يشير اللامي الى أن هذين المشكلتين قد تمت معالجتهما الى حد ما في القانون الجديد.

 القانون الجديد لمفوضية الانتخابات يحوي نقاط ايجابية عديدة

"القانون الجديد يضم نقاط ايجابية كثيرة، أحدها مسألة تعيين رئيس دائرة الانتخابات من قبل مجلس المفوضين، حيث ان الرئاسة هذه المرة لن تكون لمدة سنة واحدة بل لمدة أطول."

و يضيف اللامي "تحديد أعضاء المفوضية من قبل المجلس القضائي سيمهد الطريق مرة اخرى للتدخل الحزبي لأن القضاة أيضا معينون على أساس حزبي."

أحد المشاكل الاخرى الموجودة في القانون الجديد يتمثل في مخالفة الدستور، حيث أن القضاة هم أعضاء المجلس القضائي، في حين لا يجوز أن تكون المفوضية تابعة لأي سلطة.

وفقا للدستور العراقي، المفوضية العليا للانتخابات مستقلة و ليست تابعة لأي سلطة تشريعية، قضائية أو تنفيذية.

رئيس أول مفوضية للانتخابات في العراق يقول "لا يمكن التنبؤ فيما ان كانت الانتخابات المقبلة ستكون نزيهة أم لا، لأن  المدراء العامين و مكاتب المحافظات لم يعينوا لحد الآن، المفوضية الجديدة بحاجة لوقت، و الاجراءات المتخذة سوف تحدد أي اتجاه سيسلكون."

معضلة مزمنة

ألماس فاضل، عضوة اللجنة القانونية في البرلمان العراقي تعتقد بأن مشاكل مفوضية الانتخابات ستستمر، لأنه في كل عملية انتخابية تتجدد الشكوك والاعتراضات، و بعضهم يشيرون بأصابع الاتهام للمفوضية.

"الهدف من اصدار القانون الجديد للمفوضية معالجة عيوب القانون السابق، و لكن لا توجد ضمانات في هذا القانون و لا أي قانون آخر في العالم لعدم حدوث التزوير."

و قالت ألماس فاضل في حديثها ل(كركوك ناو) " المفوضية السابقة كانت تضم أشخاصا متمكنين، و المفوضية الحالية أيضا تضم قضاة متميزين و كفوئين، لنكن واقعيين، مشكلة العراق و المفوضية كانت مشكلة سياسية تركت آثارها على المفوضية."

هل التغييرات رضوخ لمطالب الشارع العراقي؟

يعتقد سربست مصطفى، الرئيس السابق للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات بأن عدم وجود كلمة "غير حزبي" مع اسم المفوضية سوف يضع الهيئة مرة اخرى أمام المساءلة و ستصبح مثار شك.

و يؤاخذ سربست مصطفى على المفوضية أيضا تخليها  عن مكاتبها في المحافظات، معتبرا ذلك "خطأ قاتلا يحمل في طياته أهداف و غايات سياسية" لفسح المجال لدمج أشخاص حزبيين ضمن المفوضية.

xopishandan-3-1

العراق/ متظاهرة تطالب بتغيير مفوضية الانتخابات أثناء مشاركتها في تظاهرة سابقة  تصوير: رويترز

"منذ البداية، اختيار أعضاء مجلس المفوضين مخالف للدستور الذي ينص على أن المفوضية غير تابعة لأي سلطة، و هي مستقلة، و لا يمكن أن يمكن اختيارها من قبل المجلس القضائي أو أن تصدر أوامر مباشرتهم لمهامهم من قبل رئيس الجمهورية."

و يضيف سربست مصطفى "عضوية المفوضية محددة بأربعة سنين، هذا يجعل المفوضية تحت طائلة السلطة التنفيذية بحيث يجب تعيين مفوضية جديدة مع كل دورة جديدة للحكومة."

و اقترح سربست مصطفى ان تقوم لجنة تضم خبراء من الأمم المتحدة و المنظمات  بمقابلة و تقييم 90 شخص و اختيار تسعة منهم لعضوية المفوضية، و من ثم يتم التصويت عليهم في البرلمان.

 و ألمح الى أن أحد المشاكل الأخرى تتمثل دائرة الانتخابات التي يتم تعيينها لمدة خمس سنوات، في حين أن الأعضاء الآخرين لمجلس المفوضية يستمرون في مهامهم لأربعة سنين، "و هذا يجعل رئيس دائرة الانتخابات المقرر الأعلى بينهم."

"بصورة عامة يظهر أن النخبة السياسية و الحاكمة قد عينوا مفوضية بحسب مصالحهم، و ليس بحسب مطالب الشارع."

من مفوضية "الحزب" الى مفوضية "القضاة"

التغيير الأبرز في القانون الجديد للمفوضية يتمثل في أن أعضاء مجلس المفوضين تحول من الحزب الى القضاة، وفق ما يقول آرام جمال، مدير المعهد الكوردي للانتخابات (KIE).

متحدثا الى (كركوك ناو) يقول آرام جمال "مع كل ذلك، فان التغييرات لا تكفل اجراء انتخابات نزيهة، الا اذا قام أعضاء المجلس الجديد للمفوضين بأداء مهامهم بصورة مهنية، بعيدا عن التدخل الحزبي في شؤون العملية الانتخابية."

و يعتقد مدير المعهد الكوردي للانتخابات أن المهم هو العقلية المؤسساتية المتمثلة في مجلس المفوضين، ما لم يكن المجلس مستقلا فلن تجرى انتخابات نزيهة مهما كانت الأجهزة و الأساليب المستخدمة في تسيير الانتخابات.

المجلس القضائي في العراق في بيان لها أكدت أن القضاة المعينين للمفوضية قد تم اعفائهم من مهام المجلس و هم الآن يؤدون مهام المفوضية فقط.

 آرام جمال، و الذي يتولى مراقبة سير الانتخابات منذ عدة أعوام يقول "القضاة لم يلعبوا دورا مهنيا في الانتخابات السابقة و لم يحولوا دون حدوث خروقات، بل تعاملوا بشكل سطحي مع الطعون المقدمة ضد نتائج الانتخابات، في النهاية تماشوا مع أهواء القوى السياسية الحاكمة."

في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 2018، تم تجميد مفوضية الانتخابات على خلفية شكوك بحدوث تزويرات، و تم تعيين عدد من القضاة في محلهم للاشراف على عملية حسم الطعون و لكن هذة الاجراءات لم تؤدي الى تغييرات في نتائج الانتخابات.

المفوضية تفتقر للكفاءة

 سابقا كان اختيار أعضاء مجلس المفوضين على أساس الكفاءة و الخبرة، علي خلاف ما يجري الآن، بحسب ما يقول سليم شوشكيي، عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي.

و أوضح شوشكيي ل(كركوك ناو) أن المفوضية السابقة كان يتم التدقيق فيها من قبل لجنة برلمانية مختصة تتألف من خبراء مختصين في شؤون الانتخابات، اضافة لذلك كان التصويت عليهم يتم من قبل البرلمان، في حين ان الأعضاء الحاليين "قضاة ليس لديهم معرفة و خبرة بشؤون الانتخابات."

" ولكن كلا المفوضيتين تتشابهان في أمر واحد و هو اختيار أعضائها على أساس المحاصصة الحزبية."

komision (1)-1

نينوى/ 2018/ وضع لافتة من قبل المفوضية بهدف تشجيع الناخبين لتحديث سجلاتهم الانتخابية    تصوير: اعلام المفوضية

ويعتقد عضو اللجنة القانونية بأن القانون الجديد للمفوضية و التغييرات لن يكون لها أي دورن و أن نفس التقسيمات الحاصلة بين القوى السياسية سوف تتكرر.

"من الصعب اجراء انتخابات نزيهة بوجود مفوضية مشبوهة" يقول شوشكيي.

المفوضية الجديدة تعطي ضمانات

المجلس الجديد للمفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات و الذي ئتألف من تسعة قضاة و مستشارين، في بيانها الأول، و الذي أصدرته في شباط 2020، أكدت ضمان اجراء "انتخابات نزيهة خالية من التزوير."

و بحسب البيان، فانه بعد تعيين رئيس، نائب الرئيس و مقرر المفوضية و رئيس دائرة الانتخابات، فان المفوضية سوف تكثف جهودها للاستعداد للانتخابات المقبلة، و تشمل تجديد سجلات الناخبين و توزيع بطاقات الناخب البايومترية.

"سنعمل من أجل اعادة ثقة الناس في العملية الانتخابية عن طريق ضمان استقلالية عمل المفوضية و اجراء الاصلاحات، تعزيز مبدأ الحياد، الشفافية، النزاهة و الدقة."

طوال أكثر من اسبوعين حاولت (كركوك ناو) التواصل مع أحد أعضاء المجلس الجديد للمفوضين، رغم الوعود التي قدموها، تراجع بعضهم عن التصريح فيما امتنع البعض الآخر عن الرد على مكالماتنا.

 المفوضية الجديدة للانتخابات أكدت في بيانها على "اعادة الثقة للناس في العملية الانتخابية و الوصول الى أعلى نسبة مشاركة للناخبين في الانتخابات المقبلة." 

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT