لم تعد سلة النفايات الخيار الوحيد أمام أندرو جبار، فملابسها المستهلكة أصبح لها الآن قيمة وأهمية، بدل رميها يعاد استخدامها أو تصنع منها مستلزمات أخرى.
أندرو لم ترمِ أياً من ملابسها المستهلكة منذ بداية هذا العام، تجمعها بين فترة وأخرى لتأخذها الى مشروع محلي تديره نساء لكي يعاد تدويرها وتصنع منها قطع ملابس أخرى جديدة وغيرها.
إحدى المبادرات التي لفتت انتباهها هو مشروع إعادة التدوير للأفضل (Upcycling) في أربيل، وهو مشروع صديق لبيئة يطلق عليه مشروع "شاخ" تتألف كافة مواده الأولية من قطع القماش التالفة والملابس المستعملة.
"أعجبني المشروع بالأخص لكونه مفيداً للبيئة، مثل هذه المشاريع نادرة هنا، آخذ الملابس التي توقفت عن ارتدائها الى مشروع شاخ حيث يتم هناك تحويلها الى قطع مفيدة"، تقول أندرو.
صناعة الأزياء تحتل المركز الثاني بين مصادر تلوث البيئة بعد الصناعة النفطية، احصائيات برنامج الأمم المتحدة للبيئة أظهرت أن هذه الصناعة مسؤولة عن 10 بالمائة من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم سنوياً.
يعد ثاني أوكسيد الكربون من عوامل الإسراع في ظهور آثار التغير المناخي، ويأتي العراق في المركز الخامس بين البلدان الأكثر تأثراً بتداعيات التغير المناخي، لذا تحث الأمم المتحدة السكان على الترشيد في شراء الملابس، نظراً لأن انتاج كيلوغرام واحد من القماش يضخ 17 كيلوغرام من ثاني اوكسيد الكربون في الهواء.
مشروع "شاخ" يستهدف خدمة بيئة المدينة، يتم صنع منتجات متنوعة من قطع الملابس التالفة والقديمة كالحقائب والسترات بالأخص النسائية بدل رميها في سلة النفايات.
"الهدف من هذا لمشروع أولاً خدمة البيئة، كما أنه يخدم مجال الموضة وصناعة الألبسة، هدفنا هو أن نفعل شيئاً من أجل البيئة"، بحسب صاحبة لمشروع، مانلي غانم.
صناعة الأزياء ينتج عنها سنوياً مخلفات تقدر بـ92 مليون طن، سواء تلك التي تكون خلال الانتاج أو الملابس القديمة. من المتوقع أن تصل كمية مخلفات صناعة الألبسة الى 102 مليون طن.
ينتهي مصير الغالبية العظمى من الملابس المستعملة برميها، لتشاهم بهذا في تلويث التربة والهواء. تشير احصائية لمنظمة الأمم المتحدة الى أن شاحنة مليئة الأقمشة يتم حرقها أو طمرها كل ثانية، ويكمن الخطر في أن بعض أنواع الأقمشة، على سبيل المثال البوليستر تحتاج الى 200 سنة لكي تتحلل.
مشروع "شاخ" أطلقتها شابتان كانت زميلتين في الجامعة، كلتاهما كانتا تحبان الطبيعة والسفر، كما كانت شغوفتين بالأزياء والموضة، لذا فكرتا في تأسيس مشروع لإنتاج الملابس.
غياب الدعم المالي أبقى الفكرة في طور التخطيط، الى أن قرروا البدء بتنفيذ الخطة مطلع هذا العام بعد الحصول على دعم مالي من منظمتين إحداها محلية والأخرى دولية. المشروع بدأ الآن بالانتاج.
تقول إيمان شاكر، "حتى الآن أنتجنا 200 سلعة، هذه السلع"، انتاج السلع من الملابس المستهلكة يمنحها شعوراً رائعاً، "بدلاً من رمي الملابس نعيد تدويرها ونحولها الى سلع جديدة وبهذا نحافظ على البيئة".
تتولى إيمان مع إحدى شقيقاتها مهمة قص وخياطة القطع لصنع منتجات جديدة، يجري داخل المنزل وليس في مصنع كبير وباستخدام معدات بسيطة، حيث تقومان بإعادة تصميم الملابس المستعملة وتحويلها الى منتجات جذابة.
صناعة الأزياء تستهلك نحو 93 مليار متر مكعب من المياه النظيفة كل عام، و يعادل ذك ما يستهلكه خمسة ملايين شخص، وتشير احصائيات منظمة الأمم المتحدة الى أن صناعة الأزياء تنتج لوحدها 7 بالمائة من إجمالي النفايات في العالم، حيث أن انتاج بنطلون (جينز) واحد يتطلب كيلوغراماً من القطن ويستهلك انتاج كيلوغرام القطن ما بين 7500 و 10 آلاف لتر من الماء.
أي ان كمية الماء اللازمة لإنتاج بنطلون جينز يعادل كمية الماء التي يستهلكها شخص واحد على مدار سبعة أعوام.
ركة ليفي شتراوس لإنتاج بناطيل الجينز كشفت في تقرير أن إنتاج بنطلون واحد في مصانع الشركة ينتج عنه انبعاث 33.4 كيلوغرام من ثاني أوكسيد الكربون.
ثلث انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون يأتي خلال عملية انتاج الأقمشة، 8 بالمائة خلال القص والخياطة، 16 بالمائة خلال التعبئة والنقل والبيع، 40 بالمئاة خلال الاستخدام اليومي للمستهلك عن طريق الغسل أو الرمي.
تحديات تواجه المشروع
الاستثمار في الملابس القديمة والتالفة لا يخلو من التحديات، بدءاً من إقناع المواطنين بجمع الملابس القديمة وعدم رميها، وصولاً الى توفير المعدات اللازمة وغياب الدعم، لكن مع ذلك، ثمار المروع تنسيهم المصاعب.
تقول إيمان بأن إعادة انتاج السلعة التي يبغونها من الملابس القديمة ليس بالأمر السهل، لذا فإن الذي يتحقق في النهاية يمنحهم السعادة والرضى "لأننا استطعنا بد جهد كبير انتاج سلعة جميلة ومفيدة من أخرى تالفة ومستهلكة".
معظم زبائن المشروع من النساء لأن انتاج المصنع يركز على الأزياء النسائية.
"أشعر براحة الضمير لأن حقيبتي صديقة للبيئة، تم انتاجها من قطعة ملابس مستعملة"، تقول كويان وريا، إحدى زبائن منتجات مشروع "شاخ".
ما يشجع كويان على شراء هذه المنتجات هو كونها مفيدة للبيئة، وتشتري أيضاً الأكياس والحقائب التي يمكن استخدامها في التسوق والتي يمكن غسلها وإعادة استخدامها لاحقاً.
تحث منظمة الأمم المتحدة المواطنين على شراء الملابس المستعملة وإعادة استخدامها أو صنع منتجات أخرى منها لتقليل انبعاث ثاني أوكسيد الكربون والمخلفات الأخرى.
وتقول مانلي غانم، "قسم من الملابس المستعملة نحصل عليها بشرائها والقسم الآخر عن طريق المتبرعين"، بعد تنظيف قطع الملابس يتم إرسالها من أجل إعادة تصميمها وخياطتها ومن ثم تسويقها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.
التبرع جزء من المشروع
التبرع بقطع الملابس المعاد تدويرها لذوي الدخل المحدود خطوة أخرى للتقرب من البيئة وفي الوقت نفسه تخيف معاناة هؤلاء الأشخاص.
آري دلشاد، رئيس منظمة قبول الآخرين ،(Accepting Others Organization - AOO) قال إن "مشروعنا يهدف للتبرع بالملابس من قبل مجتمع غني الى مجتمع محدود الدخل، الى جانب الأهداف البيئية المتمثلة بالتقليل من هدر المياه، منع الافراط في استخدام الطاقة والتقليل رمي الملابس المستهلكة".
مروع منظمة قبول الآخرين انطلق في عام 2022 وتم حتى الآن توزيع حوالي 165 طن من الملابس شملت 41 ألف و256 من محدودي الدخل، النازحين واللاجئين.
المخلفات من الملابس في العراق متأثرة بشكل ملحوظ بالوتيرة المتسارعة للموضة، قسم من المواطنين يشترون أكثر من احتياجاتهم من الملابس ويرمونها بعد فترة قصيرة.
مبادرة التبرع بالملابس المستعملة خصصت 44 صندوقاً لجمع الملابس في مناطق مختلفة من مدينة أربيل، بإمكان كل مواطن التبرع بالملابس الزائدة عن حاجته بوضعها في هذه الصناديق.
الملابس يتم التبرع بها لذوي الدخل المحدود، "بسبب وجود أعداد كبيرة من النازحين واللاجئين في اقليم كوردستان ممن يحتاجون للملابس خصوصاً في مواسم البرد"، بحسب آري.
ضرورة بيئية
ما بين التبرع بالملابس المستعملة لمحدودي الدخل واستثمارها لإنتاج قطع جديدة، الى جانب الربح المادي، تعتبر البيئة المستفيد الأكبر.
دلبند رواندزي، باحث ي مجال البيئة بجامعة سوران يوضح الفائدة البيئية لهذه المشاريع وكيف أن إعاددة التدوير للأفضل يمكن أن تكون جزءاً من الحل، مع ذلك "يجب على الشركات المنتجة توجيه الدفة نحو منتجات صديقة للبيئة".
ويقترح دلند على المستهلك ، "التقنين في التسوق بالأخص في المجتمعات حديثة النمو"، من أجل تقليل أضرار صناعة الملابس، ولهذا يجب التعرف على أنواع الأقمشة واختيار النوعيات المناسبة التي تصلح للاستخدام لفترة طويلة، ويرى أيضاً بأن مشاركة الملابس بين أفراد العائلة أحد الحلول المناسبة.
"صناعة الملابس كغيرها من صناعات العصر الحديث تؤثر على البيئة وهي مسؤولة عن 20 بالمائة من إجمالي تلوث المياه العذبة الجوفية والسطحية، فضلاً عن الأضرار الأخرى التي تسببها لعناصر التربة والهواء"، هذه الأضرار والتداعيات تتغير حسب نوع وكيفية انتاج الأقمشة، ويقول رواندزي إن استخدام القطن أو إعادة تدوير الأقمشة المستهلكة تسبب أقل ضرر للبيئة.
فقط واحد في المئة من الأقمشة المستخدمة في إنتاج الملابس يعاد تدويرها وتحويلها إلى ملابس جديدة، فضلاً عن التداعيات البيئية تقدر الأضرار المادية سنوياً بمليارات الدولارات.
القائمون على مشروع "شاخ" بجعبتهم خطط أخرى، يستهدفون انتاج قطع الملابس من أنواع مختلفة كالبناطيل والسترات وغيرها، وتقول مانلي غانم، "نخطط لتعريف الناس بالبيئة وأن نقول لهم إن البيئة بحاجة لنا".