مشروع قانون مناهضة العنف الأسري بين المؤيِّد و المُعارِض

كركوك/ 26 آب 2020/ اجتماع لنشطاء حقوق الانسان، المرأة و ممثلي المؤسسات الحكومية المحلية حول مشروع قانون مناهضة العنف الأسري    تصوير: تارا عزيز

تارا عزيز

النساء و الناشطون المدنيون في كركوك منقسمون على جبهتين، احداها مؤيدة و الأخرى معارضة أو متحفظة على مشروع قانون مناهضة العنف الأسري، و ذلك قبل دخول المشروع في معمعة البرلمان العراقي الذي يُتَوقّع أن يشهد شدّاً و جذباً بين الأديان و المذاهب.

 في 4 آب الماضي، صادق مجلس الوزراء العراقي على مشروع قانون مناهضة العنف الأسري و أحاله الى البرلمان. مشروع القانون يضم نقاطاً مهمة منها، فتح مراكز آمنة لضحايا العنف الاسري، تشكيل محكمة مختصة بقضايا العنف الاسري و تحديد العقوبات و الأحكام الجزائية بحق مرتكبي العنف الأسري.

 مشروع القانون

يتألف مشروع القرار من 21 مادة و حمكاً جزائياً، بصورة عامة يهدف هذا القانون الى حماية الاسرة، وعلى وجه الخصوص النساء الأطفال و التي تُعرَف بـ"الفئات الضعيفة" في المجتمع.

بموجب مشروع القانون، يشكل مجلس الوزراء لجنة عليا تسمى "اللجنة العليا لمناهضة العنف الاسري يرأسها وزير العمل والشؤون الاجتماعية ويكون وكيل وزارة الداخلية نائباً له". كما تشكل في وزارة الداخلية دائرة تسمى "مديرية حماية الاسرة"، تتولى تنفيذ المهام المنصوص عليها في هذا القانون، اضافةً الى تشكيل محكمة مختصة للتحقيق في قضايا العنف الاسري.

أحد الأجزاء المهمة من المشروع يتمثل بالعقوبات المداية و أحكام السجن التي تُفرَض على مرتكبي العنف الأسري.

zhnan-8-1

تصوير: Gabriel Benois الصورة مأخوذة من موقع unsplash في 5 أيار 2020

مشروع قانون مناهضة العنف الأسري يُلزِم الحكومة بفتح عدد من المراكز الآمنة في بغداد و المحافظات الأخرى لحماية و ايواء ضحايا العنف الأسري.

باستثناء بغداد و اقليم كوردستان، لا توجد مراكز آمنة في كركوك و المناطق الأخرى المتنازع عليها لإيواء النساء المعرضات للتهديد، و هذا ما شدد عليه مشروع القانون.

في الرابع من آب الماضي أصدرت لجنة شؤون المرأة و الأسرة في البرلمان العراقي بياناً ثمّنَت فيه الخطوة و طالبت بالإسراع في ايصال مشروع القانون الى البرلمان بهدف اعداد التقرير النهائي و ادراج المشروع ضمن جدول أعمال البرلمان لمناقشته و المصادقة عليه.

البيان أشار الى أن مناقشة مشروع القانون تأتي في وقت نشهد وضعاً "حساساً و خطيراً" من حيث ازدياد المشاكل و العنف الأسري نتيجة للمشاكل الاقتصادية و الاجتماعية، بالأخص في زمن الكورونا.

يسرى رجب، نائبة عن السليمانية في البرلمان العراقي  قالت لـ(كركوك ناو) "لم يصل مشروع القانون بعد الى البرلمان لغرض مناقشته، لكنه يلقى معارضةً كبيرة منذ الآن."

 

تصاعد العنف الأسري يزيد الضغوط على المشرّعين

 الضغوط الداخلية و الخارجية تستدع الاسراع في المصادقة على مشروع القانون و ذلك بسبب ازدياد حالات العنف الأسري في العراق، خصوصاً اثناء فترة الحجر المنزلي التي فرضت بعد تفشي فيروس كورونا.

بحسب احصائية لوزارة الداخلية العراقية، سُجِّلَت أكثر من خمسة آلاف قضية متعلقة بالعنف الأسري في الأشهر الستة الأولى من هذا العام. الاحصائية شملت أكثر من ثلاثة آلاف و 600 قضية عنف ضد الزوجة فيما كانت حالات العنف المرتكبة ضد الزوج أكثر من 450 حالة.

هذا الأمر أدى الى تصدر أربع منظمات تابعة للأمم المتحدة بياناً في نيسان من هذا العام عبروا فيه عن قلقهم من تفاقم حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي في العراق،  و التي شملت اعتداء الأزواج، الحرق وقتل النفس بالحرق، أذية النفس بسبب الإساءة الزوجية المتكررة، والتحرش الجنسي بشخص قاصر، انتحار النساء وغيرها من الحالات ذات الصلة.

 صندوق الأمم المتحدة للسكان، مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) و هيئة الأمم المتحدة للمرأة في العراق أكدت على " الضرورة الملحة لوجود قانون في العراق لمناهضة العنف الاسري و معاقبة مرتكبيها."

و يأتي ذلك في الوقت الذي كشفت فيه احصائيات المجلس القضائي في نينوى عن تسجيل ما يزيد على 85 شكوى متعلقة بالعنف الأسري خلال فترة الحجر الصحي في عموم المحافظة.

كما أظهر استطلاع للرأي أجرته دائرة تمكين المرأة في العراق التابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي بأن كلاً من محافظات كركوك، دهوك و نينوى شهدت تسجيل أكبر معدل لحالات العنف الأسري.

الاستطلاع شمل 11 محافظة عراقية و بحسب نتائج الاستطلاع، أشارت 123 امرأة الى محاولتهن الانتحار بسبب تعرضهن للعنف الأسري.

 المؤيدون و المعارضون في كركوك

في 26 آب الماضي، عقدت مجموعة من منظمات حقوق المرأة و منظمات المجتمع المدني و ناشطون في مجال حقوق الانسان اجتماعاً ناقشوا فيه نصوص و مواد مشروع قانون مناهضة العنف الأسري، و ذلك بناءاً على طلب من رئاسة البرلمان لإرسال ملاحظاته و مقترحات المنظمات.

zhnanpolice

 كركوك/  تجمع نسائي للمطالبة بإعطاء دور للنساء في المؤسسات الأمنية   تصوير: كركوك ناو

سرود أحمد، مسؤولة مكتب كركوك لجمعية الأمل العراقية قالت لـ(كركوك ناو) "هذا القانون سيؤدي الى بث المصالحة داخل الاسرة، نحن نؤمن بأن الأسرة ستتكاتف بوجود قانون من هذا النوع و سيستطيع أفرادها الشعور بالأمان".

و أضافت "مشروع القانون بحاجة الى بعض التغييرات، و لأجل هذا يجب ان نستفيد من تجربة اقليم كوردستان و المشاكل و العوائق التي واجهتهم، لكي نأخذها بنظر الاعتبار و نمنع تكرارها."

العقوبات التي يتضمنها مشروع القانون تشمل عقوبات مادية تتراوح بين ثلاثة ملايين و خمسة ملايين دينار، أو الحكم بالسجن لمدة لا تقل عن شهر واحد و لا تزيد عن سنة.

الناشطة المدنية انتصار كريم و التي كانت بين المشاركين في اجتماع جمعية الأمل العراقية قالت "بالرغم من أننا لسنا متوافقين 100% مع مواد و نصوص مشروع القانون و التي بنظرنا تنطوي على بعض المبالغات، الا أننا نفضّل محاولة تطبيقه، لأنه  في حال عدم وجود قانون لا نستطيع الحد من تفاقم حالات العنف الأسري."

ي حال عدم وجود قانون لا نستطيع الحد من تفاقم حالات العنف الأسري

المادة الثالثة و السادسة من مشروع القانون يتحدث عن تشكيل لجان خاصة بقضايا العنف و تشكيل محكمة خاصة أو أكثر لهذا الغرض.

تقول انتصار "هذه المواد تتضمن على ثغرات، المشكلة الأساسية تتمثل في أن قضاتنا من الرجال و ليس لدينا قاضيات، فحين تسجل النساء دعاوى قضائية لا يستطعن التحدث عن تفاصيل مشاكلهن أمام قاض أو رجل شرطة، لذا هناك حاجة ماسة لوجود نساء في اللجان، المحاكم و الشرطة."

مشروع القانون لم يحدد ضرورة أن يكون القضاة و أعضاء اللجان من النساء.

رغم هذه الملاحظات، شددت انتصار على "أهمية وجود قانون من هذا النوع."

IMG_7234

جمجمال/ 9 ايلول 2020/ مراسيم دفن شقيقتين عُثِر على جثتيهما مقتولتين و مدفونتين معاً في قبر واحد في قرية بالقرب من ناحية شوان التابعة لكركوك، صدر أمر بإلقاء القبض على والدهما، المتهم الرئيسي في القضية   تصوير: سوران محمد

غير أن الدكتور محمد نصر الدين سعدون، طبيب و ناشط سياسي و أحد المشاركين في الاجتماع يعتقد بأن مشروع القانون هشّ و  لن يكون له تأثير على تقليل حالات العنف.

"نصف المشروع يتألف من أوامر ادارية و تشكيل درجات و مناصب جديدة، في حين أنن لسنا بحاجة لذلك، نحن بحاجة الى قانون حقيقي يتم تطبيقه. قانون بإمكانه تأمين دخل مادي للأسرة و تأمين رواتب للأرامل و المطلقات. نحن بحاجة الى قوانين أهم تُعنى بإنتاج الأيادي العاملة و تحد من التسول"/ حسبما قال الدكتور محمد نصر الدين.

و اضاف "نريد قانوناً يحمي الأسرة، لكن هذا القانون جاء تحت مسمى مناهضة العنف الأسري."

 مشروع يواجه تحديات

من المنتظر أن يصبح البرلمان مسرحاً لخلافات و شد و جذب على مشروع القانون، و الذي بحسب النائبة يسرى رجب يواجه معاداة منذ الان.

تقول يسرى "لم يصل مشروع القانون بعد الى البرلمان لكننا نجد البعض يقفون ضده منذ الآن، هناك الكثيرون ممن يدَّعون بأنه يحطّ من كرامة الرجل و يقلل من هيبة الأبوّة و يقولون بأنه يتعارض مع مبادئ الدين الاسلامي."

هناك الكثيرون ممن يدَّعون بأنه يحطّ من كرامة الرجل و يقلل من هيبة الأبوّة

"هذه المعاداة لمشروع القانون ليست مرتبطة فقط بالدين، المذهب أو الجنس، بل ما نراه هو أن الذكورية مسيطرة تماماً على العلمانيين أيضاً. هم ايضاً ينظرون للموضوع بنفس الاعتقادات و يرفضون مشروع القانون، كما أن قسماً من النساء أيضاً يقفن ضده"، وفقاً لما قالت يسرى.

المحامية آهنك أنور، رئيسة منظمة فيان للدفاع عن حقوق الانسان قالت لـ(كركوك ناو) "نرى بأن هناك معارضة شديدة لمشروع القانون من منطلق المذهب، الدين و التمييز الجنسي، حتى أن بينهم ناشطات من النساء."

 تقول آهنك التي شاركت ايضاً في الاجتماع بأن "قسماً من النساء في مجتمعنا لا يدركن حقوقهن و واجباتهن في نطاق الأسرة و هن راضخات للتوجه الذكوري، لذا يرفضن مشروع القانون."

  

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT