تلعفر.. كتابات الجدران توثق للتأريخ وتبعث رسائل العاشقين

نينوى، 2019، متطوعون يساهمون في ازالة شعارات التطرف في تلعفر ، تصوير جعفر التلعفري

جعفر التلعفري - نينوى

أسماءٌ وعناوين و"هاشتاكات" وبطولات ورسائل في العشق وحب الوطن، بلغات متعددة.. كتاباتٌ تملأ جدران الدوائر الحكومية والمنازل والمساجد وهياكل السيارات المدمرة وحتى حاويات النفايات، تؤرخ لحقبة مظلمة في تاريخ قضاء تلعفر غرب الموصل، أبان سيطرة تنظيم الدولة (داعش) عليه.

بينما ترك من ساهم في تحرير القضاء من مسلحي التنظيم، رسائل تحمل أسماءهم وأسماء مدنهم، فيما تفصح كتاباتٌ أخرى عن مشاعر تحمل في طياتها غزلاً، قد يكون خادشاً أحياناً، فيما لا تخلو كتابات منها عن الطرفة وتترك على شفاه قراءها ابتسامة عريضة، وأخرى تتضمن حكماً وأمثالاً شعبية ونصائح، وتشجيعاً لفرقٍ رياضية.

"أمج جابتج واحنا ابتلينا.. يالطولج شبر اش مسوينه بينا" عبارة تركها أحد الشباب على ركام قلعة تلعفر الأثرية، التي فجّرها تنظيم داعش نهاية عام 2014، بعد سيطرته على المدينة، بينما تعبر كتابة أخرى عن شوق كاتبها التي ترك هاشتاكاً باللون الأسود "#مشتاقلك_ياصاحبي".

يرى عز الدين أحمد، باحث اجتماعي، أن "الكتابة على الجدران بغض النظر عن مضامين تلك الكتابات، ظاهرة غير حضارية، وتشويه للمظهر العام ولجمالية المدينة، وهو سلوك خاطئ ينبغي توعية الشباب والمراهقين بشأنه، بل وفرض غرامات مالية على المخالفين للحدّ من هذه الظاهرة".

ويضيف أحمد، لـ(كركوك ناو) أن "هذه الظاهرة يلجأ إليها بعض الشباب للتنفيس عما في داخلهم، بعيداً عن الأنظار، الأمر الذي يعكس فشل القائم بها في التعبير عن مشاعره للآخرين، وعن عدم الثقة بالنفس، والهروب من الحقيقة التي لا يواجه بها الآخرين، حيث يلجأ إلى هذه الوسيلة، وقد يكون من المناسب تخصيص أماكن معينة لترك مثل تلك الرسائل وهو ما تفعله بعض المدن المتحضرة".

 على جانب قلعة تلعفر المدمرة تصوير جعفر التلعفري 2020
نينوى، عبارات الغزل كتبت على جدرات تلعفر

أما علي عبد الكريم، ناشط، فيرى أن "الكتابة على الجدران ظاهرة دخيلة على مجتمع تلعفر، فلم تكن موجودة قبل 2014، ولكن حين تحررت المدينة شاهدنا الكتابات الكثيرة التي تركها مسلحو داعش على جدران المنازل والدوائر وبلغات متعددة، تلاها العبارات التي تركها عناصر الجيش والحشد الشعبي حين حرروا المدينة من قبيل (فلان كنا هنا.. فلان قوة حررت هذه المنطقة..الخ)، وسار على هذا النهج بعض الشباب والمراهقين من أبناء تلعفر في ترك عبارات غزل على بعض الجدران".

ويعتقد في حديثه لـ(كركوك ناو)، أنه "من الضروري توثيق العبارات التي تركها عناصر التنظيم على المنازل والأماكن العامة قبل القيام بإزالتها، حيث يمكن الاستفادة منها أمنياً وتاريخياً في الاحتفاظ بهذه الصور للأجيال القادمة لتعريفهم بالأحداث التي عصفت بمدينتهم".

"من خلال اطلاعي على بعض تلك الكتابات تبينّ لي أن معظمها تدل على أن أصحابها غير متعلمين، فكتاباتهم تحوي أخطاء إملائية، ولهذا أؤكد أن غير الواعيين وحدهم من يلجئون إلى هذا الأمر"، حسب رأي عباس محمد، وهو معلم متقاعد.

ويضيف لـ(كركوك ناو) "كم أكون سعيداً بالمقابل حين أجد شباباً من كلا الجنسين، على درجة من الوعي والاهتمام بمدينتهم، فنجدهم ينظمون بين الحين والآخر حملات لإزالة تلك الكتابات وتزيين الجدران بألوان زاهية".

 على احد مساجد تلعفر تصوير جعفر التلعفري 2019
نينوى، عبارات كتبت على احد مساجد تلعفر، تصوير جعفر التلعفري 2019

ولعمر عدنان، رأي مختلف فهو يعتقد أن "فنانين كبار استغلوا الجدران للتعبير عما يجول في خواطرهم، وهذه اللوحات الجدارية موجودة حتى الآن، وهناك دول تنمي ذلك، حيث إن مدنها تتزين بكتابات ورسوم، وتنظم احتفاليات خاصة بذلك، والتي تحولت إلى احتفالية دائمة للفن، في الأحياء والشوارع المفتوحة، وهذا الأمر في الأصل انفعال تعبيري فطري، ويعبر عن رسائل سياسية واجتماعية".

ويتابع في حديثه لـ(كركوك ناو) أن "لو تناولنا الجدار تاريخياً لوجدنا أن جدران مصر القديمة تعد أهم جدارية نقش ورسم عليها حتى الآن، ويزورها السائحون من مختلف أصقاع الأرض، وبالمحصلة فإن الجدار ليس له فقط جانب وظيفي، إنما هو على مر التاريخ مكان للاشتغال فنياً". ويشدد على "أهمية أن تكون في كل مدينة جداراً يترك عليه شبابها رسائلهم التي لا تصل لمن يوجهونها مباشرةً، وأن تكون هادفة لا تخدش بالذوق العام والآداب".

وتقع تلعفر شمال غرب العراق، وتبعد عن مدينة الموصل حوالي 70 كم، يقدر عدد سكانها بنحو 220 ألف نسمة وتسكنها أغلبية من التركمان، وقعت تحت سيطرة تنظيم داعش عام 2014، واستعادتها القوات الأمنية في أب 2017.

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT