تلعفر ينتعش من جديد

نينوى، 2020، جانب من مارثون الذي اقيم في تلعفر، تصوير جعفر التلعفري

جعفر التلعفري - نينوى

بعد ثلاث سنوات من انتهاء العمليات العسكرية، يشهد قضاء تلعفر انتعاش في المجالات الاقتصادية والخدمية، وذلك بعد سنوات من الاضطرابات والتهجير.  

معالم للتطور.. كانت غائبة!

"حتى منتصف 2018، لم يكن في تلعفر أي مراكز تسوق (مولات)، ولا صالونات نسائية، ولا أفران، ولا مطاعم تقدم أكلات غربية، ولا مقاهي (كوفي شوب) ولا ملاعب خماسية، كما في باقي المدن، أما اليوم فهناك أربعة مولات وعشرات الصالونات والأفران والمقاهي والمطاعم التي تقدم آكلات غير معهودة، و13 ملعباً خماسياً، " تلك هي نظرة عز الدين محمود لواقع مدينته خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

ولفت محمود، 49 عاماً، لـ(كركوك ناو)، إلى ان هذا التطور جعل للشباب متنفساً بعد ضغوطات الحرب طوال السنوات الماضية.

"ناشطو المدينة، بكلا جنسيهم، أقدموا على تشكيل منظمات محلية وفرق تطوعية وساهموا في حملات تنظيف وتشجير وإغاثة عديدة، فيما انخرط آخرون في ورش عمل ودورات مهنية وتنموية رفعت من قدراتهم وخبراتهم، كما شهدت جلسات شعرية وفعاليات فنية وندوات ثقافية، وهي بمجملها كانت غائبة عن تلعفر سابقاً" يضيف محمود.

كنا نصفق لمن يسعى إلى تفريقنا، أما الآن فالأمر اختلف كثيراً، فقد أصبحنا جسداً واحداً لا يمكن لشيء أن ينال من وحدتنا أبداً

من جانبها تختصر فادية قاسم، 31 عاماً، رأيها وهي تتحدث لـ(كركوك ناو): "كنا نصفق لمن يسعى إلى تفريقنا، أما الآن فالأمر اختلف كثيراً، فقد أصبحنا جسداً واحداً لا يمكن لشيء أن ينال من وحدتنا أبداً.. بل استطيع أن أؤكد أن تلعفر طوت سجل الماضي بمآسيه، وبصفحاته السوداء المليئة بالحزن والتطرف والعنف، وتعيش اليوم حياةً جديدة".

وتعرضت تلعفر إلى عملية تدمير واسعة خلال سيطرة تنظيم داعش عليها وخلال العمليات العسكرية التي رافقت ذلك، اسفرت عن اضرار البنى التحتية والاف المنازل.

asoak-tlaafr-tsoyr-jaafr-altlaafry
نينوى، 2020، احد اسواق تلعفر بعد عودة السكان من النزوح، تصوير جعفر التلعفري

 

 انجاز عدد من المشاريع الخدمية

"رغم الأزمة المالية التي تجتاح البلاد، نفذت في تلعفر عدد من المشاريع، حيث تمّ تبليط الشوارع الرئيسية واكساء أرصفتها، وإعادة تأهيل المعبر الذي يربط طرفي المدينة، وتبديل أنابيب شبكات الإسالة بما ساهم في تخفيف شحة المياه، إلى جانب تشييد البوابة الخارجية وبطراز تاريخي يرمز لقلعتها الأثرية" بحسب علي حسين، الناشط التركماني في تلعفر.

ويقول حسين، 38 عاماً، لـ(كركوك ناو)، أن "مَن شاهد الدمار في تلعفر عقب تحريرها نهاية 2017 كان يعتقد أن عودة الحياة إليها ستستغرق وقتاً أطول، في ظل ضعف التخصيصات وتراكمات السنوات الماضية وانهيار البنى التحتية في المدينة". ويضيف "المنظمات الدولية أسهمت بشكلٍ فاعل في انجاز بعض تلك المشاريع".

 احد شوارع تلعفر 2020
نينوى، 2020، تبليط الشارع الرئيسي في تلعفر، تصوير جعفر التلعفري

ووقعت تلعفر، 69 كم شمال غرب الموصل، تحت سيطرة تنظيم الدولة (داعش) في حزيران 2014، واضطر أغلب سكانها البالغ عددهم نحو 225 ألف نسمة إلى النزوح عنها، إلى عددٍ من المحافظات الجنوبية والوسطى، لا سيما النجف وكربلاء وبابل، إلى جانب إقليم كوردستان، وكركوك وتركيا، فيما عاد نحو نصف النازحين إلى مدينتهم عقب تحريرها في أب 2017 من سيطرة التنظيم.

استقرار أمني

أمنياً، يؤكد مصدرٌ مسؤول في الشرطة، أنه "لم يُسجل في تلعفر أي خرقٍ أمني منذ تحريرها وحتى اليوم، سوى انفجار سيارة مفخخة مركونة على جانب الطريق في السوق الرئيسي في 25 كانون الأول 2018، في وقتٍ كانت المدينة تتصدر نشرات الأخبار في العقد المنصرم، حيث كانت تشهد تفجيرات شبه يومية وتعدّ من أسخن مناطق العراق وأكثرها تدهوراً".

ولفت المصدر في حديثه لـ(كركوك ناو) أن "أسواق تلعفر اليوم تستقبل زبائنها حتى ساعة متأخرة من الليل، كما أن افتتاح قسم للشرطة المجتمعية في تشرين الثاني 2020، ساهم كثيراً في تعزيز علاقة المواطن بالأجهزة الأمنية".

وشهدت تلعفر خلال السنوات 2004-2010، أعمال عنف ذات طابع طائفي، خلفت آلاف الضحايا، والمهجرين في صفوف سكانها التركمان.

 السلم المجتمعي في تلعفر 2020
نينوى، 2020، مؤتمر ثقافي في تلعفر، تصوير جعفر التلعفري

" العلاقات الاجتماعية شهدت تقارباً وتماسكاً"

في الجانب الاجتماعي، "سجلت منظمات المجتمع المدني المحلية، تكافلاً ودعماً واسعاً من أبناء المدينة وتُجارها لإغاثة الأرامل والأيتام والعوائل المتعففة، ورُبما تكون تلعفر المدينة الوحيدة في العراق التي لا يوجد فيها متسولين" وفق ليلى عبد الله، متطوعة في إحدى المنظمات المحلية.

وترى ليلى، 25 عاماً، في حديثها لـ(كركوك ناو) أن "الوعي بين المواطنين ازداد في السنوات الثلاث الماضية، كما أن العلاقات الاجتماعية شهدت تقارباً وتماسكاً، وفي حين كان البعض يتوقع عمليات ثأر وانتقام بعد التحرير، كان الواقع عكس ذلك تماماً، الأمر الذي بدّد تلك المخاوف وساهم في عودة نحو 60% من نازحي تلعفر".

"سابقاً ونتيجة الظروف الأمنية المتردية انقطع المكون الايزيدي وأبناء القومية العربية من أطراف القضاء عن ارتياد قضاء تلعفر، لكن نجدُ الان في الأسواق والعيادات الطبية والمستشفى مكتظ بهم ".  

البعض يتوقع عمليات ثأر وانتقام بعد التحرير، كان الواقع عكس ذلك تماماً

وحسب سجلات وزارة الهجرة والمهجرين في تلعفر، شهدت المدينة عودة عشرات العوائل النازحة من مناطق النزوح في كربلاء، ومخيم النهروان في العاصمة بغداد، ومخيمي حسن شام U2 و U3  في محافظة اربيل، إلى تلعفر، ضمن برنامج العودة الطوعية الآمنة التي تنظمها الوزارة.

وتؤكد تلك السجلات أن 18500 عائلة عائدة مسجلة رسمياً، في دائرة المهجرين، بينما يتوقع أن يبلغ عدد العوائل العائدة نحو 24000  عائلة عائدة، لاعتكاف بعضهم عن التسجيل.

وبعد سنوات توصف بالعجاف، يتعافى قضاء تلعفر شيئا فشيا من محنته ويحاول ان يحتضن سكانه بمختلف انتماءاتهم وتعزيز تماسكهم الاجتماعي.

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT