تركت الحكومة دورها أثناء الفيضانات التي ضربت جمجمال للمنظمات الحكومية وبعض القنوات الإعلامية، متجاهلةً تأسيس منظمة وطنية تتولى جمع التبرعات للمتضررين، رغم أن هذه الخطوة تحظى بدعم البرلمان منذ أكثر من 30 عاماً.
مهمة الإغاثة لمنكوبي فيضانات جمجمال تُركت لصراع القنوات الإعلامية والمنظمات التابعة للأحزاب السياسية، بعد عدم التزام حكومة اقليم كوردستان بقوانين البرلمان واتهامها بعدم تنفيذ واجباتها، الأمر الذي جعل قضية فيضانات جمجمال تتخذ منحىً حزبياً.
وفقاً لقانون جمعية الهلال الأحمر الكوردستاني الذي أصدره برلمان كوردستان في 1993، يتم تشكيل جمعية وطنية الهدف منها جمع وتوزيع المساعدات والتبرعات على المنكوبين والمحتاجين وإنشاء علاقات مع المنظمات الأخرى العاملة في هذا المجال.
في الوقت الذي مرت فيه أكثر من ثلاثة عقود دون تأسيس هذه الجمعية الوطنية، منحت الحكومة تراخيص لعشرات المنظمات الحزبية والمنظمات التي يترأسها أفراد من العوائل الحاكمة للعمل في مجالات مختلفة منها المجال الخيري، وخلال فيضانات جمجمال وصل الصراع بين هذه المنظمات إلى جانب صراع القنوات الإعلامية إلى أوجه.
في 10 كانون الأول الجاري، تسببت الأمطار الغزيرة بوقوع فيضانات في قضاء جمجمال ونواحي شورش وتكيه أسفرت عن مصرع شخصين وإصابة 12 آخرين، كما لحقت أضرار جسيمة بألف و607 منزل و540 مركبة.
في اليوم الأول للفيضانات أطلقت عشرات المنظمات التي تحظى أغلبها بدعم الأحزاب حملة لجمع التبرعات والمساعدات للمنكوبين، لكن العملية تشهد حالة من الفوضى بسبب الأجندات التي تتبعها كل منظمة لجمع التبرعات ومن ثم توزيعها على المتضررين والتي تطغى عليها المصالح الحزبية.
سرور عبدالرحمن، رئيس منظمة بَي-منظمة حزبية غير ربحية معنية بالتربية والتنمية-،قال إن "هناك صراعات حزبية في إيصال التبرعات لأهالي جمجمال، وهذا يعكس كواليس عمل هذه المنظمات الخيرية التابعة للأحزاب المتصارعة في إقليم كوردستان".
"على الرغم من أنه من الجدير بالثناء أنهم يجمعون المساعدات لأهالي جمجمال، إلا أن ما يحدث في جمجمال يدعو للاستغراب"، بحسب سرور.
هناك صراعات حزبية في إيصال التبرعات لأهالي جمجمال
المنظمات التي هيمنت على عملية جمع المساعدات لأهالي جمجمال هي تلك المقربة من عائلتي بارزاني وطالباني، بما في ذلك مؤسسة بارزاني الخيرية، وروانكه، وعدد من المنظمات الأخرى التابعة لهما. القنوات الإعلامية الممولة من قبل الأحزاب كانت أيضاً جزءاً من الصراع.
وقال سرور عبدالرحمن، وهو عضو سابق في برلمان كوردستان، "كان من الأفضل وجود مؤسسة وطنية لجمع التبرعات تشرف على العملية دون تمييز بين الأحزاب والايديولوجيات، لأنها كانت ستعمل تحت الرقابة بمصادر دخل شفافة".
وأضاف، "لو أن جمعية الهلال الأحمر الكوردستاني قد أسست، كانت ستشرف بنفسها على عملية إغاثة منكوبي جمجمال وليس الأحزاب".
مدير عام مركز التنسيق المشترك للأزمات (JCC) التابع لوزارة الداخلية في حكومة الإقليم، سروه رسول، قالت إن "فرقنا وصلت إلى جمجمال في اليوم الأول من الفيضانات ولا زالت متواجدة هناك، نطلع وزير الداخلية على التطورات بتقارير يومية تخص ما تم تنفيذه وما يتوجب فعله".
هذا المركز تم تفعيله في الكابينة التاسعة لحكومة إقليم كوردستان، وهو عبارة عن مديرية عامة في وزارة الداخلية، تتمثل مهمته بالتنسيق بين جميع الجهات المعنية في أثناء الكوارث الطبيعية وغيرها. للمركز مكاتب في محافظات إقليم كوردستان الأربع، وفي الإدارات الذاتية الأربع، ولديه أيضاً مكتب في محافظة كركوك.
لكن الخبير القانوني،شوان كردي، قال إن دور الحكومة كان غائباً تماماً خلال كارثة جمجمال، فيما كان الدور الأكبر للمنظمات الخيرية المقربة منها.
"لاحظوا أن رئيس حكومة اقليم كوردستان، مسرور بارزاني لم يزر جمجمال شخصياً لتفقد منكوبي جمجمال، في حين يقوم نجله بهذه المهمة بطريقة أخرى، رغم عدم شغله لأي منصب حكومي..."، بحسب شوان كردي.
نائب رئيس حكومة الإقليم، قوباد طالباني، زار جمجمال مرتين، في الأولى أعلن عن إنشاء صندوق لجمع التبرعات للمنكوبين وفي الثانية أعلن عن طلب أربعة من مسؤولي جمجمال وناحية شورش إعفاءهم من مهامهم، كما أعلن تأسيس مفوضية إغاثة قضاء جمجمال.
رغم ذلك، تعرض طالباني لانتقادات واتُّهِم بفشله في إظهار دور حكومة اقليم كوردستان في إغاثة المنكوبين.
المنظمات والمتبرعون بإمكانهم توزيع مساعداتهم عن طريق المفوضية المُشكّلة لإغاثة منكوبي جمجمال، إلا أن قناة آفا، المملوكة لنجل رئيس الحكومة آرين مسرور بارزاني، والتي أطلقت حملة لجمع التبرعات، غير مستعدة لتسليم مساعداتها إلى المفوضية. وقد اتخذت العديد من المؤسسات والمنظمات الأخرى نفس الموقف.
قناة آفا زعمت أن المواطنين لا يثقون في قدرة المفوضية، التي يشرف عليها مكتب نائب رئيس حكومة الإقليم قوباد طالباني، على توزيع المساعدات بشكل عادل.
وقال شوان كردي إن "جميع السلطات تم خلطها عمداً، وهذا ما تريده الحكومة، لذلك لا يُسمح هنا بالعمل بصورة مؤسساتية، ولهذا السبب لا يتم تطبيق قانون تأسيس جمعية الهلال الأحمر الكوردستاني ولا تكون لدينا مؤسسة وطنية لمثل هذه الحالات".
جميع السلطات تم خلطها عمداً، وهذا ما تريده الحكومة
وأضاف، "ليس لدينا مشكلة في إنشاء مؤسسات خيرية مختلفة، ولكن المشكلة تكمن في أن هذه المؤسسات تنتمي إلى أحزاب سياسية، وأن عملها يذهب لخدمة الدعاية السياسية وجذب قاعدة جماهيرية لأحزابها، وليس لقضية انسانية مثل إغاثة المنكوبين".
وقال سرور عبدالرحمن، " ليس فقط هذا القانون، بل أن هناك العديد من القوانين التي أقرها البرلمان ولا يتم تنفيذها"، وفقاً لمتابعات منظمة بَي التي تضمنت أحد مشاريعها مراقبة أداء البرلمان.
إلى جانب قناة آفا، أطلقت قناة روداو المقربة من رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني، حملة تبرعات تم فيها جمع نحو 7 مليار دينار من تجار اقليم كوردستان ومن المقرر أن تسلم هذه التبرعات لمفوضية إغاثة وإنعاش قضاء جمجمال.
عطا محمد، رئيس مكتب نائب رئيس الحكومة قوباد طالباني، صرح في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء، 17 كانون الأول، بأنهم أنشأوا حساباً مصرفياً خاصاً لمفوضية الإغاثة في بنك جرمو، وبلغت قيمة التبرعات التي تم إيداعها في الحساب حتى الآن مليار و746 مليون دينار عراقي إضافةَإلى 120 ألف دولار.
وشدد عطا على أن المزيد من الأموال ستصل إلى الحساب، حيث أن بعض وسائل الإعلام أارت إلى وجود متبرعين آخرين أعربوا عن استعدادهم لإرسال أموال إلى المفوضية. ولتعزيز الشفافية، سيتم الإعلان عن لوحة بيانات إلكترونية يوم الخميس 18 كانون الأول، لعرض قيمة تبرعات المتبرعين بالدينار والدولار.
لتعزيز الشفافية، سيتم الإعلان عن لوحة بيانات إلكترونية، لعرض قيمة تبرعات المتبرعين بالدينار والدولار
وجاءت تصريحات عطا محمد بعد أن شككت بعض وسائل الإعلام في توخي العدالة في عملية توزيع المساعدات وأطلقت بنفسها حملات لجمع التبرعات.
أرسلان رحمن، وهو خبير إعلامي، قال إن "المهمة الرئيسية لوسائل الإعلام هي تغطية الأحداث دون تضخيمها أو التقليل من شأنها، أو أن تصبح جزءًا من الحدث، فمهمة وسائل الإعلام هي نقل المعلومات إلى المتلقي، لذا يجب أن تقوم بالتغطية خارج دائرة الأحداث وتصبح جسراً بين المجتمع والحكومة، لا أن تصبح مطلقة حملات وتنوب عن المؤسسات الإنسانية".
ويرى أرسلان أن ما تقوم به بعض وسائل الإعلام لا علاقة له بالعمل الإعلامي، "لأن ذلك يصبح جزءًا من الأحداث، مثل أن يبكي المذيع على الشاشة لجذب مشاعر الناس، وهو ما يتعارض مع الخطاب الإعلامي الذي يجب أن يكون خطاباً عقلانياً ومنطقياً مستنداَ إلى المعلومات وليس العواطف".
لذا يعتقد بأن الذي يحدث هو بسبب الصراعات الحزبية بين القنوات الإعلامية والمنظمات في ظل غياب مؤسسة وطنية مثل جمعية الهلال الأحمر".
ويقول كردي إن "الحكومة لا تريد إنشاء مثل هذه المؤسسات، لإنه في حال إنشاءها تعلم أن الناس لن يلجأوا حينها إلى المنظمات التابعة لأحزابهم لتلقي المساعدة، وبذلك يختفي دور الأحزاب".
بحسب إحصائيات دائرة المنظمات غير الحكومية في إقليم كوردستان، يوجد أكثر من ستة آلاف و350 منظمة في إقليم كوردستان، منها حوالي 50 منظمة دولية إلى جانب جمعيات خيرية تعمل في قطاعات مختلفة، بما في ذلك تقديم المساعدات، قضايا المرأة، حماية الأطفال، حماية البيئة وقطاع الصحة.
وفقًا للمادة الرابعة من قانون الهلال الأحمر الكوردستاني، تم تحديد واجبات جمعية الهلال الأحمر الكوردستاني في 12 نقطة، بما في ذلك مساعدة المنكوبين، المحتاجين، أسر الشهداء وضحايا الأنفال والقصف الكيمياوي، أو تلك المتعلقة باللاجئين والنازحين، فضلاً عن نر التوعية الصحية وتأهيل القرى وغيرها.
وقال سرور عبدالرحمن إن "وجود المؤسسات الخيرية في العالم ظاهرة إيجابية، كما أنها تعمل في إطار القانون ومصادرها المالية معلومة ... لذلك، من المهم الإصرار على إنشاء مثل هذه المنظمات، وليس التي تنفذ أجندات الأحزاب".
غير أن مدير عام مركز التنسيق المشترك للأزمات، سروه رسول، قالت إن "مركزنا تمكن بالاستفادة من خبرات الدول المتقدمة، من إنشاء نظام متطور لإدارة الأزمات والكوارث في إقليم كوردستان، يتضمن ثلاث مراحل هي الإعداد، الإستجابة والإنعاش"، دون أن توضح فيما إن كان المركز قد قدم أي نوع من المساعدات لإغاثة منكوبي جمجمال.
مركزنا تمكن بالاستفادة من خبرات الدول المتقدمة، من إنشاء نظام متطور لإدارة الأزمات والكوارث في إقليم كوردستان
وتابعت سروه، " كل من مكتبي السليمانية وكرميان التابعين لمركزنا أصبحا الآن جزءًا من المفوضية التي أنشأت لجمجمال ويمارسان مهامهما من هناك"، في حين تتولى المفوضية توزيع المساعدات والأموال المقدمة من المتبرعين، بحسب عطا محمد.
عضو برلمان كوردستان عن كتلة الاتحاد الإسلامي، فاتح سنكاوي، قال إن "ما حدث في جمجمال جعل وجود مؤسسة وطنية حاجة ملحة، بحيث تخصص لها موازنة خاصة بها ويكون مصدرها المالي معلوم وتمارس مهامها تحت مظلة مؤسسة رقابية مالية".
سنكاوي، وهو من أهالي جمجمال، قال إن ما يحدث الآن عبارة عن فوضى، "بالرغم من أن للأمر جانباً إيجابياً يتمثل بتضامن المواطنين والمنظمات والقنوات الإعلامية لإغاثة المنكوبين، لكن هناك جانباً آخر متمثلاً باختفاء دور الحكومية لأننا لم نر أي مؤسسة حكومية تخصص أموالاً لتعويض المتضررين، العملية مسيسة وعبارة عن فوضى".
"يتوجب في هذه الدورة البرلمانية أن ينهض البرلمان بواجب متابعة إصدار قانون تأسيس جمعية الهلال الأحمر الكوردستاني، وإذا كان بحاجة لتعديل فيجب إعداد مشروع التعديل، نحن ككتلة الاتحاد الإسلامي سنخطو هذه الخطوة"، بحسب سنكاوي.