"أرمي مخلفات البيوت البلاستيكية، الخراطيم والنايلون داخل أرضي الزراعية أو أحرقها فيها"، يقول عمر عبدالله، مزارع في منطقة كرميان بأنه لم يتلق أي ارشادات وليس لديه إلمام بالأضرار التي قد تسببها للتربة.
"أعتقد بأن هذه افضل طريقة للتخلص من مخلفات البيوت البلاستيكية"، بحسب عمر.
المئات من مزارعي منطقة كرميان يتخلصون من مخلفات البيوت البلاستيكية، كالخراطيم والنايلون المستخدم في تغطية البيوت المحمية بطريقة غير علمية، أغلبهم يجمعونها في مكان معين في الأرض الزراعية فتمتزج بمرور الوقت مع التربة، والبعض يقومون بحرقها متناسين خطورة ذلك على التربة والبيئة.
تغطي البيوت البلاستيكية مساحة آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية في كرميان، مزارعو المنطقة بدأوا اتباع هذه الطريقة منذ عدة سنوات من أجل تقليل الكلفة وزيادة الانتاج ، لكن بعد الانتهاء من حصاد المحاصيل، تصبح المخلفات مصدراً لتلوث التربة والبيئة نتيجة لحرقها أو رميها.
لا أعرف ولم أسمع بمضار البلاستيك للتربة والنباتات والانسان
يقول عمر عبدالله، الذي يملك 10 بيوت بلاستيكية في ناحية سرقلا بقضاء كفري، بأنه يشتري سنوياً مئات الأمتار من النايلون والخراطيم، وبعد انتهاء الموسم الزراعي تصبح غير صالحة للاستخدام.
"النايلون يستخدم لمرة واحدة، لكن يجب تجديد البيوت البلاستيكية كل سنتين أو ثلاث، في معظم الأحيان نحرقها في الأرض الزراعية أو ندفنها في أحد الزوايا الى أن يتحلل في التربة"، بحسب عمر، فضلاً عن آلاف الأمتار من خراطيم المياه التي تتحول أيضاً الى ملوثات للتربة.
وأضاف عمر، "في ناحيتنا هذه، مزارع واحد أو مزارعان فقط يجمعون مخلفات البيوت البلاستيكية ويبيعونها، البقية يقولون أن ما يكسبونه من بيعها لا يوازي الجهد المبذول لجمعها".
حول ما إن كانت لديه معلومات حول الأضرار التي تلحق بالتربة والبيئة جراء رمي المخلفات البلاستيكية، قال عمر "لا أعرف ولم أسمع بمضار البلاستيك للتربة والنباتات والانسان، هذه المرة الأولى التي أسمع فيها بذلك".
إجمالاً، يفتقر مزارعو كرميان للوعي المتعلق بالأضرار التي تسببها مخلفات البيوت البلاستيكية لأراضيهم الزراعية، في حين يشير خبراء التغير المناخي بأن أضرارها ستظهر في المستقبل، كون هذه المواد تبقى لفترات تتراوح بين 10 سنوات و 200 سنة قبل أن تتحلل وتتحول الى جزيئات تمتزج بسلسلة الغذاء البشري والهواء الذي يستنشقه الانسان.
السليمانية/ آذار 2024/ الزراعة باستخدام النايلون في منطقة كرميان تصوير: كركوك ناو
عبدالرحمن عبدالكريم، مزارع آخر في كرميان، خصص هذا العام 25 دونم لزراعة البطيخ داخل البيوت البلاستيكية، حيث استخدم حوالي طن و500 كيلوغرام من النايلون اضافة الى 16 ألف متر من الخراطيم لإعداد 10 بيوت بلاستيكية.
"أحياناً يأخذ الناس النايلون والخراطيم التي لم تعد صالحة للاستعمال، وأحياناً أخرى أجمعها في مكان معين في أرضي الزراعية"، وتابع عبدالرحمن قائلاً، "أعرف أن البلاستيك مضر للتربة والنباتات، الأرض مثل والدتنا التي يجب علينا أن نخدمها".
تتألف منطقة كرميان من ثلاثة اقضية (كلار، كفري ودربنديخان) وهي إدارياً تابعة لمحافظة السليمانية وتمتاز بالأراضي الخصبة الملائمة للزراعة وهي محاذية لمحافظتي ديالى وصلاح الدين.
خالد سليمان، صحفي مختص في مجال البيئة والتغير المناخي تحدث لـ(كركوك ناو) عن الأضرار الكبيرة الناجمة عن اختلاط النايلون بالتربة، منها تلوث المياه الجوفية، "حين تتغلغل مياه الأمطار داخل التربة تنجرف النفايات البلاستيكية المتحللة معها الى جوف الأرض، البلاستيك بعد تحوله الى جزيئات مجهرية من الممكن أن ينتشر في المياه، وحين يشرب الانسان هذه المياه تدخل هذه الجزيئات البلاستيكية الى جسمه"، وأضاف، "حين تختلط هذه الجزيئات بالمياه السطحية والجوفية التي يستخدمها الانسان للزراعة، يتم امتصاص الجزيئات البلاستيكية الرقيقة من قبل النباتات وتتراكم في ثمارها وأوراقها".
"التربة غنية بالبكتريا والجراثيم والأحياء المجهرية، والتي تلعب دوراً في تخصيب التربة، لكن النايلون والنفايات البلاستيكية التي تتحلل في التربة تقضي على هذه البكتريا والأحياء المجهرية ما يؤدي الى تراجع خصوبة الأرض وعقمها".
ولفت الى أن "هذه النفايات البلاستيكية في حال لم تمتزج بالتربة ستتحلل جراء الحرارة الى جزيئات بلاستيكية وتنتشر في الهواء الذي يستنشقه الانسان".
نحن نعمم ارشادات على المزارعين سنوياً ونطلعهم على أضرار النفايات البلاستيكية وذلك عن طريق فتح دورات توعوية
فيما يتعلق بالمزارعين الذين يحرقون مخلفات البيوت البلاستيكية، قال خالد سليمان لـ(كركوك ناو)، "هذه الطريقة أيضاً مضرة وليست الحل، لأن قسماً كبيراً منها يتحول الى انبعاثات خطيرة وملوثة للهواء والباقي يختلط بالتربة".
"الأفضل هو عدم استخدام النايلون والبلاستيك في الزراعة، وفي حال تم استخدامهما يجب اتباع أساليب ناجعة للتخلص من النفايات البلاستيكية... بإمكان المزارعين جمع النايلون في مكان معين ومن ثم نقله الى مراكز خاصة بتدويره"، ويرى خالد أن مديرية الزراعة، مديرية البيئة ومديرية الصحة مسؤولة عن فتح مركز خاص بجمع النفايات البلاستيكية وتفادي انتشارها في التربة، وعليها أن تشترط ذلك على المزارعين.
لم يتسن لـ(كركوك ناو) الحصول على احصائية رسمية بمساحة الأراضي المزروعة باستخدام البيوت البلاستيكية، لكن في ناحية سرقلا التابعة لقضاء كفري لوحدها زُرعت مساحة 600 دونم باستخدام 302 بيت بلاستيكي.
آرام صابر، مسؤول شعبة الزراعة بناحية سرقلا قال لـ(كركوك ناو)، إن "الجفاف الذي شهدته المنطقة خلال السنوات الماضية كان السبب وراء اعتماد المزارعين على البيوت البلاستيكية، لأنها تستهلك كمية أقل من المياه، لكن في الوقت نفسه لها تأثيرات كارثية على البيئة".
"نحن نعمم ارشادات على المزارعين سنوياً ونطلعهم على أضرار النفايات البلاستيكية وذلك عن طريق فتح دورات توعوية أو الزيارات الميدانية".
السليمانية/ آذار 2024/ أحد البيوت البلاستيكية في منطقة كرميان تصوير: كركوك ناو
اللجوء للزراعة باستخدام البيوت البلاستيكية والنايلون تكلفته اقل، المحاصيل يكون انتاجها أسرع وأقل عرضة للآفات الزراعية، وفوق كل ذلك، يمكن انتاج المحاصيل في البيوت البلاستيكية على مدار السنة.
زانا ابو بكر، أستاذ في جامعة صلاح الدين، قال لـ(كركوك ناو)، "لكن يجب أن نعلم أن المحاصيل المنتجة في البيوت البلاستيكية ليست طبيعية جداً من حيث الطعم واللون وكمية الفيتامينات مثل غيرها من المحاصيل التي تنمو تحت اشعة الشمس".
"نظراً لأن المواد البلاستيكية تصنع من مشتقات البترول، لذا فهي لن تتحلل داخل التربة ما يؤدي الى تلوثها وتراجع خصوبتها، أو أن يؤثر انتاجها مباشرة على صحة الانسان".
