من البیئة

النساء يُعلنَ الحرب على البلاستيك.. "عولاقوت" كرميان خارج نطاق خدمات البلدية

  • 2024-12-02
النساء يُعلنَ الحرب على البلاستيك.. "عولاقوت" كرميان خارج نطاق خدمات البلدية
كرميان/ تشرين الثاني 2024/ قرية عولاقوت التابعة لقضاء كفري    تصوير: كركوك ناو
ليلى أحمد

من الممكن أن تحارب السرطان وتلوث البيئة في الوقت نفسه. نساء قرية "عولاقوت" بكرميان قرروا عدم السماح برمي النفايات البلاستيكية أو حرقها في قريتهم، والتي كانت تعد حتى ما قبل عام مصدراً لتلوث مصادر المياه والسبب وراء انتشار الأمراض.

تبعد قرية "عولاقوت" 13 كم عن مركز ناحية سرقلا التابعة لقضاء كفري، القرية أصبحت الآن خالية من النفايات البلاستيكية بعد مبادرة أطلقتها مجموعة نساء القرية للحد من رمي النفايات البلاستيكية.

قبل هذه المبادرة، كانت النفايات منتشرة داخل القرية وأطرافها، الأدخنة المنبعثة جراء حرقها كانت تلوث هواء المنطقة أو تكدس عند مصادر المياه، بحسب فاطمة محمد، إحدى النساء المشاركات في مبادرة جمع النفايات البلاستيكية.

عولاقوت من القرى المكتظة نسبياً بالسكان في المنطقة، تعيش فيها 120 عائلة قوام أفرادها حوالي 500 شخصاً.

تقول فاطمة، "لم نكن نعرف لسنوات ما هي الأضرار التي تنتج عن رمي النفايات البلاستيكية. الأواني، العبوات والمستلزمات المنزلية الأخرى كانت تنتشر في أرجاء القرية وتختلط بالتربة، أو كانت ترحق وتزعج الأدخنة المتصاعدة سكان القرية".

فكرة جمع النفايات البلاستيكية جاءت لفاطمة محمد بعد أن أصيبت وزوج إحدى شقيقاتها بالسرطان قبل عامين. حالياً يتلقى الاثنان العلاج بمستشفى "هيوا" لأمراض السرطان في السليمانية.

بعد تناول الفطور أبدأ بجمع النفايات البلاستيكية ثم أبيعها.. رغم أن إيرادها قليل لكن ما يهمنا هو التخلص من النفايات

تقول فاطمة، إن "الدكاترة أخبرونا بأن سبب إصابتنا يعود الى استشاقنا الهواء الملوث بالأدخنة ونصحونا  بعدم العيش في منطقة هواؤها ملوث".

البلاستيك من المواد التي لا تتحلل في البيئة و"بعض مكوناته تتفكك وتختلط بمكونات البيئة جراء التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة، ما يؤثر على صحة الانسان ويعرضه للإصابة بالسرطان، الى جانب الأضرار الأخرى التي تلحق بالكائنات الحية الأخرى والمياه".

بحسب وزارة الصحة في حكومة الاقليم، يعد التلوث البيئي أحد اسباب الإصابة بأمراض السرطان، حيث سجلت تسعة آلاف و911 حالة خلال 2023، وتشير الاحصائيات الى أن سرطان الرئة ثاني أكثر الحالات شيوعاً.

 

عولاقوت خارج نطاق خدمات البلدية

تتألف إدارة كرميان من ثلاثة أقضية، تضم ما لا يقل عن 375 قرية، كمية النفايات التي تجمع يومياً في مراكز الأقضية والقرى القريبة من الطرق الرئيسية في كرميان تصل الى 400 طن.

قرية عولاقوت ليست ضمن القرى التي تشملها خدمات رفع النفايات من قبل البلدية، هذه المهمة تتكفل بها فاطمة وغيرها من نساء القرية.

تقول فاطمة، "في معظم الأيام، بعد تناول الفطور أبدأ بجمع النفايات البلاستيكية ثم أبيعها.. رغم أن إيرادها قليل لكن ما يهمنا هو التخلص من النفايات البلاستيكية".

من مجموع 375 قرية في كرميان، 50 منها، بينها عولاقوت، لديها مصادر مياه موسمية تصب في نهر سيروان.

قبل إطلاق هذه المبادرة، كانت النفايات البلاستيكية تختلط بمياه الجداول والينابيع التي تصب في نهر سيروان.

مدير ماء أطراف كرميان، نوزاد حميد، قال إن "أحد الأسباب الرئيسية لتلوث مصادر المياه هي النفايات البلاستيكية التي يرميها البعض من سكان القرى في مياه الجداول والينابيع، وهذا الأمر يسبب أضرار صحية للسكان والأحياء التي تعيش في النهر أو في المياه الجوفية".

نهر سيروان أحد المصادر الرئيسية لتأمين مياه الشرب لسكان قضاء كلار وأطرافه، كما أنه يزود أحواض تربية السمك والحقول الزراعية والمواشي بالمياه.

 

طرق غير علمية للتخلص من النفايات

النفايات في عموم العراق وكرميان لا تجمع بطرق علمية، لذلك لا يتم إعادة تدويرها للاستفادة منها، كما أن الطرق المستخدمة للتخلص منها غير علمية أيضاً.

رئيس اللجنة العليا لجمع النفايات في إدارة كرميان، برزان فائق، أوضح بأن نسبة كبيرة من الـ400 طن من النفايات التي تجمع يومياً في كرميان عبارة عن نفايات بلاستيكية، "لكن بسبب عدم فرز النفايات لا يمكن تحديد نسبتها بدقة".

وقال برزان، "ليس لدينا إعادة تدوير أو تعليمات بيئية تخص فرز النفايات البلاستيكية عن غيرها من النفايات، بل نقوم بطمرها في منطقة خرشيت القريبة من قرية كرده كوزينه"، وهذه هي الطريقة الوحيدة المتبعة للتخلص من نفايات كرميان.

لكن نوزاد حميد أشار الى أن "اختلاط نفايات القرى بمياه نهر سيروان بحاجة الى حل". كما يشدد الجميع على أن حرق أو طمر النفايات ليس حلاً علمياً.

Awlaqut2

كرميان/ تشرين الثاني 2024/ قرية عولاقوت التابعة لقضاء كفري    تصوير: كركوك ناو 

البلاستيك يؤثر على عملية التخصيب والنشاطات الهرمونية والدماغ كما أن حرق النفايات البلاستيكية يلوث الهواء وذلك وفقاً لتحذيرات منظمة الأمم المتحدة، حيث تشير إحصائيات لمنظمة الى أن أكثر من 400 مليون طن من النفايات البلاستيكية تنتج سنوياً في العالم، 50 بالمائة منها تصلح للاستخدام لمرة واحدة وأقل من 10 بالمائة منها يعاد تدويرها واستخدامها.

الدكتور علي مسعود، اخصائي أمراض الأنف والحنجرة والأذن في مستشفى كلار العام، يقول إن "حرق النفايات والبلاستيك، بالأخص عبوات المنظفات والمبيدات الحشرية بالقرب من المناطق السكنية يشكل خطراً على حياة المواطنين".

واضاف أن "استنشاق دخان النفايات البلاستيكية المحترقة والروائح الكريهة التي تنبعث من النفايات التي تصبح بؤرة للقوارض والدود والذباب يزيد من احتمالات الإصابة بأمراض الجلد، الحنجرة، الأنف، الربو  والتهاب الأمعاء"، واستطرد قائلاً، "هذا التلوث سبب رئيسي للإصابة بأمراض السرطان وانتشار جرثومة التوكسوبلازما التي تؤدي الى إجهاض الجنين".

مبادرة قرية عولاقوت لم تعبر حدود القرية لكنها أصبحت بجهود نسائها القرية الوحيدة الخالية من النفايات البلاستيكية في كرميان.

تقول فاطمة، "أبيع 20 كيلوغرام من البلاستيك مرة كل شهرين، المبلغ الذي نحصل عليه قليل لكن المهم هو أننا نكون بمأمن من الأدخنة والأمراض".

بخشان عبدالله (35 سنة)، سيدة أخرى تسكن في قرية عولاقوت، قالت "نجمع النفايات البلاستيكية منذ حوالي عامين، نحافظ على نظافة بيئتنا وقريتنا".

جميع المواد البلاستيكية مضرة جداً للصحة والبيئة لأنها تصنع من مادة الهيدروكربون، أي أن مكونها الرئيسي هو النفط

بخشان، أم لسبعة أطفال، أصيبت قبل انطلاق المبادرة بضيق حاد في التنفس ونصحها الطبيب بتجنب استنشاق الهواء الملوث، ومنذ ذلك الحين لم تسمح بحرق النفايات في قريتها.

تقول بخشان، "أبيع كل اسبوع سبعة كيلوغرامات من النفايات البلاستيكية".

كوجر ياسين (32 سنة)، تتردد اسبوعياً على قرية عولاقوت بكرفانة لجمع النفايات البلاستيكية من نساء وأطفال القرية.

"يكدسون اسبوعياً حوالي 142 كيلوغرام من النفايات البلاستيكية وأشتري الكيلو الواحد منهم بـ200 دينار، من بين القرى التي أزورها، قرية عولاقوت تجمع أكبر كمية من البلاستيك وهي أول قرية بادرت جميع نسائها وأطفالها بجمع البلاستيك".

تنقل كوجر البلاستيك الى معمل لطحن البلاستيك لبيعه ومن هناك يرسل البلاستيك المطحون الى خارج كرميان.

ويوجد وسط قضاء كفري معمل صغير لإعادة تدوير البلاستيك يطحن ويصهر فيه يومياً 50 كيلوغرام من النفايات البلاستيكية وتصنع منها بعض المستلزمات كالمقاعد والمناضد، لكن المعمل عاجز عن التعامل مع كميات البلاستيك الكبيرة التي تجمع في كرميان.

خبير البيئة ومصادر المياه في كرميان، عبدالمطلب رفعت، يقول "جميع المواد البلاستيكية مضرة جداً للصحة والبيئة لأنها تصنع من مادة الهيدروكربون، أي أن مكونها الرئيسي هو النفط، وتمزج معها معادن ثقيلة كالنيكل والرصاص لإعطاء البلاستيك المتانة والمرونة اللازمة".

" يستهلك إنتاج البلاستيك التقليدي سنويا 4% من مجمل الإنتاج العالمي من النفط الخام"، بحسب عبدالمطلب.

وأشار الى أن "رمي النفايات البلاستيكية في مصادر المياه والبيئة يؤدي الى تلويثها، لأن المكونات الرئيسية للبلاستيك ستؤدي الى تغيير جودة المياه".

وقال عبدالمطلب، "يجب العمل على تقليل استخدام البلاستيك الذي يعد أحد أكبر التهديدات على البيئة والانسان في كافة أنحاء العالم، وقد يؤثر بشكل تام على بيئة العالم خلال القرن المقبل إذا لم تتم معالجته".

النساء لسن الوحيدات اللائي يجمعن النفايات في قرية عولاقوت، وكما قالت فاطمة لمراسلة (كركوك ناو)، "عودنا أطفالنا أيضاً على جمع النفايات البلاستيكية وعدم رميها".

أكثر

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT