ينصح خبراء علم النفس والأطباء، السيدات الحوامل بالإهتمام بالجانب النفسي لتلافي الإصابة بالإكتئاب والقلق اللذين يؤثران سلباً على الحامل والجنين، ويرون بأن آثار التغير المناخي تجلب لهن المزيد من الأعباء النفسية.
هذه الإرشادات الخاصة بالسيدات الحوامل تأتي في وقت يستنشق 90 بالمائة من سكان دول العالم هواءً ملوثاً وغير صحي، من بينها هواء العراق الذي يعتبر من بين "الأكثر تلوثاً"، وفقاً لبيانات منظمة (آي كيو إير) السويسرية المختصة بتكنلوجيا جودة الهواء.
كما تحذر المنظمة العالمية للصحة من أن تلوث الهواء داخل وخارج المنزل يشكل تهديداً كبيراً على حياة البشر، حيث يؤدي إلى الوفاة المبكرة لسبعة ملايين شخص سنوياً.
ويرى الأطباء بأن البيئة والتغير المناخي الذي يشمل العواصف الترابية، شحة الأمطار وارتفاع معدلات درجة الحرارة تعتبر من العوامل المسببة للأمراض النفسية، وتقول السيدات الحوامل، إن العواصف الترابية وارتفاع درجات الحرارة يصيبهن بالإرهاق النفسي.
شيماء أحمد، سيدة تقيم في مدينة السليمانية وهي حامل في الشهر التاسع، تقول إنها تشعر منذ مدة بالإرهاق النفسي والاكتئاب وقلة النوم.
"لا أعرف السبب، لكن حين تهب عاصفة ترابية أو ترتفع درجات الحرارة يصيبني هذا الشعور"، وتضيف شيماء "حزنت لقلة الأمطار هذا العام، أصبت بضيق التنفس والضعف، أحياناً كنت أبقى مستيقظة حتى السادسة صباحاً".
الصورة من موقع unsplash بتاريخ 9 تموز 2025 تصوير: Tim Kraaijvanger
تقول شيماء إنها كانت في الشهر السابع من الحمل حين أخبرها الطبيب بضرورة تلقي العلاج باستمرار حفاظاً على سلامتها وسلامة الجنين، "كنت أعاني باستمرار من الصداع وتشنج العضلات بحيث لم أكن أتحسن ما لم يضعوا لي الأوكسجين".
وأشارت إلى بعض الأعراض النفسية الأخرى كسرعة الغضب، الميل للوحدة وعدم التكلم، "أحياناً كنت أشعر بغصة".
شيلان علي، سيدة حامل من قضاء كلار في الشهر الثامن عانت من نفس المشاكل التي واجهت شيماء، تقول شيلان، "أشعر بانزعاج كبير حين يتصاعد الغبار، الحزن يعتصرني وأرغب في البكاء بشدة، أشعر بأنني أوشك أن أموت".
العواصف الترابية، ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار من آثار تغير المناخ، ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة، يُعد العراق خامس أكثر دولة تأثراً بتداعيات تغير المناخ في العالم.
منذ افتتاحه في عام 2009، استقبل مستشفى سوز للأمراض النفسية في مدينة السليمانية حتى النصف الأول 600 امرأة وفتاة قصدن المستشفى لتلقي العلاج النفسي، لكن الإحصائية لم تبين نسبة الحوامل بينهن.
هيمن حمه كريم، طبيب نفسي في مستشفى سوز، قال إن "المشاكل النفسية للنساء ازدادت مقارنةً بما قبل عدة سنوات، أصبحن يعانين أكثر من القلق، الاكتئاب ومشاكل النوم"، وأضاف، "هناك شيئان أثرا على الحالة النفسية للنساء، انتشار فيروس كورونا والآن التغير المناخي".
وأشار هيمن إلى أن جزءاً من المشاكل النفسية تحدث بسبب التغيرات الهرمونية، "تغير المناخ له تأثير سلبي لأن موجات الغبار، ارتفاع درجات الحرارة وتلوث الهواء، قلة ساعات النوم ونوع الغذاء عوامل تؤثر بشكل مباشر على الهرمونات".
وشدد هيمن على أن النساء الحوامل أكثر حساسية لهذه التغيرات.
"العواصف الترابية والهواء الملوث يؤثر على الحالة النفسية للنساء ويصيبهن بالإكتئاب والقلق وضيق التنفس والشعور بالوحدة أثناء فترة الحمل"، حسبما أوضح الدكتور هيمن.
لذا ينصح النساء الحوامل بتلقي العلاج النفسي والحصول على الدعم الإجتماعي في حال الشعور بتدهور الحالة النفسية، وذلك عن طريق الإختلاط بالأهل والأقارب، ممارسة الرياضة وتنظيم الغذاء والنوم إلى جانب تلقي الإرشادات النفسية.
وفقاً لإحصائية مركز العلاج والتأهيل النفسي في إدارة كرميان التابعة لمحافظة السليمانية، راجع ثلاثة آلاف وثلاثة أشخاص المركز لأطباء نفسيين خلال العام الماضي، بينهم 744 امرأة وفتاة.
حين تعاني سيدة حامل من حالة نفسية كالإكتئاب والقلق والخوف ولا تستطيع التعامل معها ومساعدة نفسها، يتوجب عليها مراجعة الطبيب النفسي
درجات الحرارة في كرميان أعلى مقارنة بالمناطق الأخرى في إقليم كوردستان العراق وآثار التغير المناخي فيها أكبر بالأخص فيما يتعلق بشح الأمطار، العواصف الترابية وارتفاع درجات الحرارة التي وصلت العام الماضي إلى 51 درجة مئوية.
كويستان إبراهيم، امرأة حامل في الشهر الثامن تعيش في إحدى قرى كرميان، رغم أنها أنجبت خمسة أطفال من قبل لكنها تقول إن حملها الأخير "هو الأصعب بالنسبة لي... الحر أرهقني، أعاني من الجفاف وأشعر بالقلق"، وأضافت، "لا أحد يجرؤ على التكلم معي في البيت، أصبحت عبئاً عليهم، أحياناً أصرخ وأبكي".
إخصائية الأمراض النفسية، نشميل رسول، شددت على أن التغيرات المناخية تؤثر على الحالة النفسية، خصوصاً موجات الغبار والجفاف، وأردفت "تأثيرات ارتفاع درجة الحرارة قد تؤدي أحياناً إلى موت الجنين، الولادة المبكرة وانخفاض وزن الجنين".
وتابعت، "حين تفكر المرأة الحامل في أنها ستلد طفلاً ليعيش في هذا الجو الحار والجاف وقليل الموارد ووسط العواصف الترابية، ستشعر بالقلق والإكتئاب، بالأخص النساء المعرضات بشكل مباشر للآثار السلبية للتغير المناخي".
وتقول نشميل " لذلك حين تعاني سيدة حامل من حالة نفسية كالإكتئاب والقلق والخوف ولا تستطيع التعامل معها ومساعدة نفسها، يتوجب عليها مراجعة الطبيب النفسي وتلقي العلاج من أجل سلامتها وسلامة الجنين".
ما يثير تفاؤل الأطباء، هو ازدياد الوعي بين المواطنين بهذا الشأن مقارنةً بالأعوام الماضية.
مدير مركز العلاج والتأهيل النفسي في كرميان شدد على أن المشاكل النفسية ازدادت، لكن علاجها مرهون بمراجعة الأطباء والإخصائيين لضمان صحة المجتمع.