لا تزال شادان محمود (36 سنة) تبحث عن جواب حول سبب إجهاضها مرتين من أصل خمسة حملت فيها، رغم عدم توصلها للجواب لكنها تنصح الحوامل بإجراء الفحوص بشكل مستمر والمحافظة على صحتهن.
تعيش شادان في قرية نائية بإدارة كرميان التابعة لمحافظة السليمانية، الأمور سارت بشكل مثالي في حملها الأول، لكن في الفترة بين عامي 2017 و2018 أجهضت مرتين، الأولى حين كانت في الشهر الثاني من الحمل والثانية في الشهر الثالث.
"في كلتا المرتين أخبرني الطبيب بأن نبض الجنين قد توقف، لم أكن أعرف ما السبب لكنهم أخبروني بأن أعاني من كثرة كريات الدم الحمراء ما أثر على الجنين".
لم تسجل في عائلة شادان وزوجها أية أمراض وراثية، بالأخص فيما يخص تكثف الدم، الأمر الذي أدخل شادان في دوامة القلق والحيرة.
شادان أنجبت مولودها الرابع دون مشاكل، لكنها أجهضت الخامس قبل 20 يوماً من ولادته، ما زاد من قلق ومعاناة الأم.
التعداد السكاني لإدارة كرميان 343 ألف و594 شخص، المنطقة تعاني منذ سنوات من شح الأمطار وارتفاع درجات الحرارة في الصيف إلى جانب تصاعد موجات الغبار، نتيجةً لذلك أخليت العديد من القرى في ظل الآثار الجلية التي تركها التغير المناخي على المنطقة.
التغير المناخي وتلوث البيئة وارتفاع معدلات درجة الحرارة إلى جانب استخدام بعض الأدوية من أبرز أسباب إجهاض الجنين
خلال السنوات الخمس الماضية سجلت ألف و664 حالة إجهاض في كرميان، وفقاً لإحصائية مستشفى شيره نقيب التعليمي، الخاص بالأمراض النسائية والولادة.
كما شهدت الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي تسجيل 131 حالة إجهاض، دون احتساب الحالات التي تخص النساء اللاتي لا يراجعن المستشفيات عند الإجهاض.
"قبل إجهاض مولودي الثالث بأيام قليلة كنت أشعر بالقلق والتوتر، درجة حرارة جسمي كانت مرتفعة، كنت أستحم كثيراً وألجأ لأجهزة التكييف، الحر أرهقني كثيراً، كنت أشعر بجنيني يتحرك في بطني حتى وقت متأخر من تلك الليلة"، وأضافت شادان، "لكن في صباح اليوم التالي شعرت بآلام شديدة، راجعت الطبيب وأخبرني بأن جنيني قد مات بسبب الجفاف".
تمنت شادان في كل مرة أن تحضن مولودها وترضعه لكن ذلك لم يحدث وفقدت اثنين في المرات الخمس التي حملت فيها.
مديرة مستشفى شيره نقيب، بناز أحمد، قالت لـ(كركوك ناو) إن "التغير المناخي وتلوث البيئة وارتفاع معدلات درجة الحرارة إلى جانب استخدام بعض الأدوية من أبرز أسباب إجهاض الجنين، فضلاً عن تناول المنتجات الغذائية المعدلة وراثياً واستخدام بعض المواد الكيميائية لإنتاجها".
وتقول إخصائية الأمراض النسائية والتوليد، كازيوه حسين، إن الحامل والجنين هما المتضرر الأول من ارتفاع درجات الحرارة الذي ؤثر مع تلوث البيئة على الجينات الوراثية للأطفال.
تؤدي الاضطرابات الكروموسومية إلى تغيرات وتشوهات في نمو جسم ودماغ الجنين. وإذا لم تسببت هذه الإضطرابات بالإجهاض فسيولد قسم كبير منهم مصابين بمتلازمة داون التي تعد من أكثر التشوهات الكروموسومية شيوعاً.
وأشارت كازيوه إلى أن "ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى إصابة الحوامل بالجفاف وبالتالي فقدان الجنين".
من فرط ارتفاع درجة حرارة جسمي كنت أشرب الكثير من المياه الباردة، نتيجة لذلك سقطت كل أسناني، أصبت بآلام على مدار ثلاثة أيام قبل أن تخبرني طبيبة السونار بأن جنيني قد مات
درجات الحرارة خلال السنوات القليلة الماضية وصلت إلى 50 درجة سيليزية وأحياناً أكثر في بعض مناطق العراق، على سبيل المثال سجل قضاء خانقين المحاذي لحدود إدارة كرميان العام الماضي أعلى درجة حرارة على نطاق العالم بلغت 51 درجة سيليزية.
ارتفاع معدلات درجة الحرارة يتزامن مع قلة المساحات الخضراء التي بحسب خبراء البيئة تساهم في خفضها.
وفقاً لبيانات عام 2023، تقدر نسبة المساحات الخضراء في كرميان بـ5.7 بالمائة فقط وهي أقل بكثير من المعيار الدولي الذي حدد النسبة بأن لا تقل عن 30 بالمائة.
وشددت كازيوه حسين على أن تلوث الهواء وارتفاع درجات الحرارة يتركان آثار على صحة الحوامل، من حيث الآلام التي تسبق الولادة، الولادات المبكرة، انخفاض ضغط الدم والصداع وتورم الساق، "كل هذه الأمور تؤثر بشكل من الأشكال على الجنين، تؤثر على نموه ونبضات قلبه، وأضافت، "إذا لازمت الحامل الحمى لفترة زمنية طويلة وتعرضت للحر الشديد سيتعرض الجنين لتشوهات ويتأخر نموه وتقل حركته، لأن نسبة أقل من الدم والأوكسجين ستصله".
شيماء حميد (32 سنة)، سيدة أخرى تسكن في كرميان، تعرضت للإجهاض في تموز 2021 حين كانت في الهر الخامس من الحمل، تقول شيماء "من فرط ارتفاع درجة حرارة جسمي كنت أشرب الكثير من المياه الباردة، نتيجة لذلك سقطت كل أسناني، أصبت بآلام على مدار ثلاثة أيام قبل أن تخبرني طبيبة السونار بأن جنيني قد مات".
من شدة خوفها من آلام عملية الكورتاج امتنعت شيماء عن الذهاب للمستشفى وانتظرت في منزلها لحين سقوط الجنين، رغم أنها أصيبت بالإغماء ونقلت فيما بعد للمستشفى لتنظيف رحمها.
بعد ذلك أنجبت شيماء طفلاً في الشهر الثامن من الحمل، لكنه يعاني من مشاكل في نمو الدماغ ويخضع للمتابعة المستمرة من قبل الأطباء.
على النساء الحوامل المكوث لمدة أطول في المنزل واستخدام أجهزة التكييف خلال اشهر الصيف وتجنب الإختلاط بالناس
الهندس الزراعي ورئيس منظمة حماية البيئة في كفري، أنور عبدالعزيز، يقول إنه فضلاً عن ارتفاع درجات الحرارة الذي يعد أحد تداعيات التغير المناخي، يؤثر تلوث الهواء والبيئة بالأدخنة ورمي النفايات البلاستيكية، موجات الغبار وانبعاثات الحقول النفطية والمولدات الأهلية على صحة الإنسان، وجميعها موجودة في كرميان.
"يجب أن ننشر الوعي البيئي والصحي بالأخص للنساء الحوامل، يتوجب على الحكومة عن طريق وزارة الصحة أن تلعب دوراً في الإهتمام بالسيدات الحوامل وتوفير بيئة مناسبة للإنجاب والأهتمام بصحة الجنين".
وقال أنور، "يجب على الحوامل اللاتي يعشن في القرى وقاية أنفسهن من الحر والغبار وتجنب حرق مخلفات الأبقار للطبخ وصنع الخبز، لأنها تؤدي إلى انبعاث غاز الميثان السام الذي يؤثر على صحة الجنين".
وتقول الدكتورة كازيوه إن على النساء الحوامل المكوث لمدة أطول في المنزل واستخدام أجهزة التكييف خلال اشهر الصيف وتجنب الإختلاط بالناس، "إذا تطلبت الحاجة الخروج من البيت والتعرض لأشعة الشمس والحرارة، يجب أن لا يرتدين ملابس ضيقة بل واسعة ومريحة ويفضل أن تكون الملابس مصنوعة من القطن، وكذلك الإستحمام وشرب ما لا يقل عن ثلاثة لترات من الماء يومياً إضافةً إلى تناول كميات كافية من الفاكه لتعويض فقدان المياه وعدم التعرض للجفاف".
