يواجه قسم من الأمهات في العراق الخوف والقلق بسبب البلوغ المبكر لبناتهن ودخولهن الدورة الشهرية، ما يدفعهن للجوء للأطباء خشيةً من بعض التداعيات.
وفقاً للعوائل التي تحدث معها موقع (كركوك ناو) حول هذا الموضوع ، قسم من الفتيات في المجتمع العراقي أتتهن الدورة الشهرية منذ سن التاسعة، في حين تقول الأمهات إن الفتيات كان في عهدهن يبلغن في سن أكبر بأربع أو خمس سنوات.
كَشاو نادر، اسم مستعار لسيدة عمرها 43 سنة وهي أم لفتاتين، اصطحبت ابنتها البالغة من العمر 12 سنة للطبيب في سن مبكرة، حين ظهرت عليها تدريجياً علامات البلوغ مثل تضخم الثديين ونمو شعر الجسم.
وقالت كَشاو لـ(كركوك ناو)، "تعجبت كثيراً من الأمر، لأنها كانت لا تزال صغيرة، واجهنا وضعاً عصيباً، ابنتي كانت تشعر بخجل كبير وكنت أريد أن أعرف ماذا يحصل... لكن الطبيب قال بأن ابنتي طبيعية، لأن الفتيات في هذا العصر تأتيهن الدورة الشهرية في سن مبكرة"، العام التالي، أتت ابنة كشاو الدورة الشهرية وهي في سن التاسعة.
"لم أكن اصدق ما يحصل، قلت ربما أصيبت بنزيف بسبب إلتهابات".
استغراب كَشاو كان سببه يعود لأن ابنتها الكبرى أتتها الدورة الشهرية الأولى في سن الـ13، "أنا أيضاً أتتني الدورة الشهرية في سن الـ13".
وفقاً لدراسة نشرتها مجلة PubMed المعنية بالدراسات المتعلقة بالصحة العامة، البيئة، علوم الكيمياء والبيولوجيا، سن البلوغ والدورة الشهرية عند الفتيات يقل عاماً بعد آخر، فبعد أن كان يترواح بين 15 و16 سنة في القرن التاسع عشر، تراجع سن البلوغ عند الفتيات إلى 14 سنة في القرن العشرين.
الدراسة أشارت إلى الوتيرة المتسارعة لتراجع سن البلوغ والدورة الشهرية عند الفتيات خلال العقدين الماضيين، "في الفترة بين عام 2000 و2010 كان سن البلوغ يتراوح بين 12.3 و 12.8، لكن في السنوات الخمس الماضية (2020- 2025) تراوح بين 11.9 و 12 سنة".
تانيا آسو، والدة لفتاة أتتها الدورة الشهرية في سن الـ10، تقول "شعرنا بخوف كبير مع والدها، أخذناها لطبيبة أطفال، عاينتها وقالت إن كل شيء فيها طبيعي، وبحسب نموها فقد حان موعد قدوم دورتها الشهرية، لا داعي للهلع فالفتيات الآن تأتيهن الدورة الشهرية في سن مبكرة".
وينصح الأطباء الأمهات بعدم الشعور بالقلق أثناء البلوغ المبكر لبناتهن لأن سن البلوغ والدورة الشهرية عند الفتيات أصبح أقل منذ سنوات.
إخصائية الأمراض النسائية والتوليد، سمية عطا النقشبندي، قالت لـ(كركوك ناو)، إن "الحالة البدنية للشخص، تناول الأكلات السريعة، التلوث بالبلاستيك والتغير المناخي كلها عوامل تؤثر في سن البلوغ".
منظمة الأمم المتحدة تحذر من مخاطر البلاستيك على الخصوبة والنشاطات الهرمونية، حيث يؤدي حرق النفايات البلاستيكية إلى تلوث الهواء، وأشار تقرير للمنظمة إلى أنه "يُنتج سنوياً 460 مليون طن من البلاستيك... بحلول عام 2050 قد تحتوي المحيطات على كميات من البلاستيك تفوق ما في باطنها من أسماك، ما لم يتوقف الناس عن استخدام المواد البلاستيكية التي تستعمل لمرة واحدة، مثل الأكياس والزجاجات البلاستيكية".
ويقول المختص في مجال البيئة، كارزان عبدالله، إن من الأسباب الرئيسية للبلوغ المبكر، بالأخص عند الفتيات، "استخدام البلاستيك وتلوث البيئة بالنفايات البلاستيكية، حيث يؤدي ذلك إلى دخول مادة تسمى BPA لجسم الإنسان عن طريق الطعام أو من خلال الجلد، وهي مادة تؤثر بشكل مباشر على الهرمونات".
الـBPA مادة كيميائية تدخل في صناعة المنتجات البلاستيك مثل عبوات المياه والأواني. هذه المادة مرتبطة بالمخاطر الصحية المتمثلة بأمراض المبيض ومشاكل النمو.
وقال كارزان عبدالله، "حين تسبب هذه المادة اضطراب الهرمونات تؤدي دور هرمون الاستروجين وتخبر جسم الطفل بأنه يحتوي على ما يكفي من هرمون الاستروجين وبالتالي أصبح جاهزاً للبلوغ، لذلك يبلغ الشخص في عمر مبكر".
هرمون الاستروجين الذي يطلق عليه أيضاً بالهرمون الأنثوي، حساس جداً تجاه تلوث البيئة وأي اضطراب في النظام البيئي يؤثر بشكل عميق وطويل المدى على صحة الإنسان.
وأوضح كارزان عبدالله بأن "اضطراب هرمون الاستروجين يخلق مشاكل أخرى تتعلق بالإنجاب عند الرجال والنساء وكذلك صحة الجنين".
وفقاً للدراسة التي نشرتها مجلة PubMed الالكترونية، يعد التعرض للبلاستيك والمواد الكيميائية ثاني أكبر أسباب البلوغ المبكر عند الفتيات بعد السمنة، في حين تأتي الضغوط الإجتماعية والنفسية وبيئة الأسرة ثالثاً والسكريات رابعاً.
هذه الدراسة أجريت عن طريق فحص البول لمجموعة من الفتيات ممن أتتهن الدورة الشهرية.
وشدد كارزان عبدالله على أن البلاستيك أصبح جزءاً من حياة الناس ومن الصعب تجنب استخدامه بشكل نهائي، "لكن يمكننا التقليل من استخدامه، يفترض عدم حفظ المياه والأطعمة في منتجات بلاستيكية لأن البلاستيك يتفاعل معها".