حين أكمل ابنها عامه الأول، شعرت كولاله صالح (32 سنة) بأمر غير طبيعي، "كان يغضب بسرعة ويبكي كثيراً"، لذا قررت أخذه لطبيب اخصائي أخبرها بأن "السبب هو شحنات كهربائية زائدة في الدماغ".
حتى بلوغه ثلاث سنوات لم يكن الطفل قادراً على تكوين جملة مفيدة، الطبيب أخبرها بأن "نمو دماغه تأخر".
الآن بلغ سن التاسعة وهو في الصف الثاني الأساسي، لكن الأطباء أوضحوا لوالديه بأنه مصاب بتأخر النمو العقلي، "نوبات الغضب لم تفارقه حتى الآن، لا يستمع للكلام ويعض أحياناً، لكننا نشعر بأنه يتحسن بصورة تدريجية"، خصوصاً أنه يخضع لبرنامج تأهيلي خاص وهناك أمل بأن تتحسن حالته بعد سن الـ12.
في السنوات الأخيرة افتتحت عشرات المراكز الحكومية الخاصة بتأهيل الأطفال المصابين بتأخر نمو الدماغ والعدد في ازدياد، بالتزامن مع ازدياد مضطرد في نسبة الأطفال المصابين.
شوخان صالح أحمد، معلمة في مدرسة اساسية بمدينة السليمانية، قالت "من مجموع 250 طالب وطالبة يوجد في مدرستنا 15 طفل يعانون من تأخر نمو الدماغ، يوجد في مدرستنا أطفال بسن التاسعة لكن نموهم العقلي بمستوى أطفال في السابعة".
"بعض الآباء والأمهات ينكرون حقيقة إصابة أطفالهم بتأخر نمو الدماغ ولا يقرون بالمشكلة إلا حين يصدر التقرير الطبي"، بحسب شوخان.
عائلة كولاله لم تسجل فيها حالات تتعلق بتأخر نمو الدماغ لذا تريد أن تعرف من الإخصائيين السبب وراء إصابة طفلها بهذه الحالة.
تعيش كولاله في قضاء دربنديخان ويقع منزلها على شارع مزدحم، فيما يرجح خبراء الصحة بأن يكون استنشاق الهواء الملوث أثناء فترة الحمل أحد الأسباب.
إخصائية الأمراض النفسية، نشميل رسول، تقول إن التغير المناخي أثر بشكل كبير على الحياة وعلى صحة الإنسان، ومن آثاره إصابة الأطفال بتأخر نمو الدماغ.
"ارتفاع نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الهواء يؤثر بشكل عام على تركيز الإنسان، القدرة على حل المشاكل، القدرة على التفكير وخزن المعلومات".
وفقاً للمنظمة العالمية للصحة 15 بالمائة من الأطفال في العالم يعانون من اضطرابات في التعلم خلال سنوات الدراسة.
نازة، اسم مستعار لإمرأة تبلغ من العمر 37 سنة، يعاني طفلها الثالث وعمره سنتان من تأخر النمو العقلي، "بعد ولادته مباشرةً تم وضع الأوكسجين له لمدة يوم"، لأن الأطباء أخبروها أن الأوكسجين لم يصل بالشكل الكافي لدماغ الطفل.
بعدها لاحظت نازة أن مراحل النمو والمهارت التي يكتسبها الطفل بصورة طبيعية لم تكن تحدث لطفلها، على سبيل المثال لم يكن قادراً على إسناد رقبته، لم يكن يلتقط الأشياء وحركاته كانت بطيئة، نمت سنه الأولى بعد 13 شهراً، ورغم بلوغه العامين لا يزال غير قادر على المشي.
منزل نازة الكائن وسط مدينة السليمانية يبعد 50 متراً فقط عن مولدة الكهرباء الأهلية التابعة لمنطقتها، كما أن هناك مولدة كهربائية تبعد 50 متراً أيضاً عن الغرفة التي تعمل فيها بدائرتها.
وأظهرت دراسة نشرتها مجلة كيبوكو في إطار مشروع أطلق عليه اسم مشروع صحي واحد، أن الدخان الناتج عن حرق زيت الغاز كدخان المولدات الأهلية والمركبات إضافةً إلى الدخان المنبعث عن حرق البلاستيك قد يؤدي إلى تأخر نمو دماغ الجنين وإصابة الأطفال بالتوحد.
كما أشارت الدراسة إلى أن الجزيئات التي تنشأ من دخان زيت الغاز المحترق يمكنها أن تؤثر على ذاكرة وسلوك وقابلية الأطفال للتعلم، "الأطفال الذين يعيشون في أماكن قريبة من الأدخنة معرضون يشكل أكبر للمخاطر".