تتنقل بين المساجد ومراكز الشرطة
"لارا" فتاة كركوكية تبحث عن مأوى بسبب التعنيف من قبل والدها

كركوك/ نيسان 2023/ لارا (15 سنة) تجلس في مسجد وسط مدينة كركوك بعد هروبها من منزل أبيها وتقول أنها بـ"أمان" هناك تصوير: خاص بـ(كركوك ناو)

كركوك ناو

فتاة في الـ15 من العمر تقضي يومها في المساجد، ومراكز الشرطة ومراكز الايواء التابعة للمنظمات وترفض العودة الى والديها، بالرغم من أن والدها تعهد عن طريق (كركوك ناو) بعدم تعنيفها قائلاً، "أريدها أن تعيش معنا".


نهاية الاسبوع الماضي غادرت لارا -اسم مستعار لفتاة كركوكية- منزل والدها ولجأت الى أحد المساجد، وبعد إعادتها الى منزل والدها بتدخل الشرطة والمنظمات، لجأت ليلة 16 نيسان الحالي الى نفس المسجد مرة أخرى وقالت، "لن أعود مجدداً، لأن أمي وأبي يعذباني".

قصة العام الأول من عمر لارا
في عام 2009، حين كانت لارا تبلغ من العمر سنة واحدة، تولت جدتها –أم أبيها- رعايتها، وبقيت عندها حتى عام 2018، في نفس الحي الذي يقع فيه منزل والدها (إمام قاسم). لكن جدتها توفيت في ذلك العام واعيدت مرة أخرى الى منزل ابيها.


من هنا بدأت قصة "العنف والتعذيب" الذي تعرضت له لارا على يد والديها، والتي انتهت الاسبوع الماذي بهروبها من البيت.


والد لارا –فضل عدم ذكر اسمه-، قال لـ(كركوك ناو) "كانت أمي تقول لي باستمرار أنها وحيدة وطلبت أن تبقى ابنتي معها وأن تتولى بنفسها رعايتها، فاستجبت لطلبها وقضت ابنتي 10 سنوات من عمرها مع والدتي وهناك التحقت بالدراسة".

ابنتي خرجت عن السيطرة، تقوم ببعض التصرفات التي تكلفنا سمعتنا، أنا شخص حريص على سمعتنا، ابنتي تخرج من المنزل وتهرب


الوالد منتسب في جهة أمنية وله ثلاثة أطفال آخرين –ولد وبنتان-، لارا المولودة في عام 2008 هي كبراهم.


"في عام 2018، حين توفيت والدتي، اضطررت لإعادة لارا الى البيت، لكن تصرفاتها كانت مختلفة، لم تكن تتكيف معنا، لم تكن تحبنا وكانت تكره والدتها كثيراً... هربت من المنزل عدة مرات وكنت أعيدها في كل مرة".


ليلة 16 نيسان، تحدثت لارا لـ(كركوك ناو) بينما كانت في مسجد بكركوك وقالت، "هربت لأن والدَايّ يضرباني، لا أريد أن اعود اليهما".


يوم الاثنين، 17 نيسان، قال والد لارا عن طريق الهاتف "لا أخفي عنكم أنني ضربت ابنتي كأي أب، هي ابنتي وأريد أن أربيها لأنها أخطأت... ابنتي خرجت عن السيطرة، تقوم ببعض التصرفات التي تكلفنا سمعتنا، أنا شخص حريص على سمعتنا، ابنتي تخرج من المنزل وتهرب...".


المادة 41 من قانون العقوبات العراقي أعطت الآباء والمعلمين "حق التأديب" تجاه الأولاد القصر شريطة أن لا يتعدوا حدود ما هو مقرر شرعاً وقانوناً، لكن المحكمة الاتحادية العراقية أصدرت في نيسان 2019 بياناً شددت فيه على أن "حق التأديب" لا يأتي بمعنى استخدام العنف.

ابنتي ليست مريضة وهي بصحة جيدة، فقط لا تريد العيش معنا


يقرّ والد لارا بأنه وزوجته ضربا ابنتهما ويقول، "لم تكن تريدنا أيضاً حين كانت تعيش عند والدتي، لم تكن تستمع لغيرها وكان تسبنا".


ويأتي ذلك في حين أن المادة 29 من الدستور العراقي تمنع كل أشكال العنف والتعسف في الأسرة والمدرسة والمجتمع.


نهاية الاسبوع الماضي، بعد أن هربت لارا من المنزل ولجأت الى أحد مساجد المدينة، علمت الشرطة والمنظمات بالأمر، وفي نفس اليوم أخذوا تعهداً من والدها بعدم تعنيفها مجدداً.


لكن ليلة 16 نيسان، لجأت لارا مرة أخرى الى نفس المسجد وقالت "يضربونني".


وقال والد لارا، "لا أرغب بما يحدث الآن، ابنتي ليست مريضة وهي بصحة جيدة، فقط لا تريد العيش معنا". وأضاف، "كنت دائماً أقول لوالدتي دعيني آخذها عندي، لأنها لن تستمع الينا حين تكبر، لكنها كانت تترجاني أن أبقيها عندها تقول خذها عندك بعد موتي".


وتابع قائلاً، "تصرفاتها لم تكن متزنة خلال الأيام القليلة التي بقيت عندنا بعد إعادتها، توشك أن تعلم اخوتها ارتكاب نفس التصرفات".

أودعت لارا في الوقت الحالي عند منظمة الأمل العراقية فيما تواصل الشرطة اجراءاتها وتبحث عن حل.


المتحدث باسم شرطة كركوك، المقدم عامر نوري، قال "هذه الفتاة في أمان... رغم أنها أعيدت المرة السابقة الى المنزل لكنها تعرضت مجدداً للتعذيب، لذا ارتأينا أن يتم ابقاؤها في مكان آمن".


"في المرة الأخيرة -16 نيسان- غادرت الفتاة المنزل وهي تبكي، لذا قررنا أخذ الإجراءات واستدعينا والديها، ومدير شرطة كركوك يتولى القضية شخصياً"، بحسب عامر نوري.


وشدد الناطق باسم شرطة كركوك أنه "نظراً لأنها لم تعش في صغرها عند والديها، تعرضت لحالة نفسية، مع ذلك نشعر بأن الوالدين يميزانها عن بقية أطفالهما.. السبب الرئيسي هو أن هذين الوالدين لم يربياها بأنفسهما منذ البداية".

هذه القضية من القضايا التي نؤكد فيها بأن مهمة رعاية الأطفال يجب أن لا توكل الى الأقارب، يجب أن يتربى الطفل عند والديه


لم توجه أي عقوبات لوالدَي لارا حتى الآن، لكن التحقيق مستمر معهما. وقال عامر نوري، "مدير الشرطة قرر اتخاذ الإجراءات القانونية بحق والدي الفتاة في حال ارتكبا العنف بحقها مرة أخرى".


المادة 413 من قانون العقوبات العراقي حددت عقوبة تصل الى السجن لثلاث سنوات لكل من اعتدى عمداً على شخص آخر بالجرح او بالضرب او بالعنف ونشأ عن ذلك الاعتداء أذى جسدي.

سرود أحمد، مسؤولة فرع كركوك لجمعية الأمل العراقية لحقوق الانسان التي تحتفظ حالياً بـ(لارا) عندها، تقول "نحن نتابع القضية لحين ايجاد حل نهائي لها، والدها تعهدا أمام القاضي والشرطة (يوم 17 نيسان) بأن يحسنا التصرف مع ابنتهما...".


"المشكلة هي أن الفتاة مرهقة نفسياً ونحن نحاول تقديم العلاج النفسي لها"، وأضافت سرود، "ما لم يتم ايجاد حل مناسب ستظل عندنا، لكن في الحقيقة من الأفضل لهذه الفتاة أن تبقى عند والديها وتعاد الى كنف أسرتها".


"هذه القضية من القضايا التي نؤكد فيها بأن مهمة رعاية الأطفال يجب أن لا توكل الى الأقارب، يجب أن يتربى الطفل عند والديه، وإلا ستكون هذه النتيجة"، بحسب سرود.

يكاد رأسي ينفجر من كثرة همومي


اختيار مكتب جمعية الأمل في كركوك لإيواء لارا، يأتي في الوقت الذي تحدثت فيه إدارة كركوك منذ العام الماضي عن فتحها مأوى للنساء المعنفات، ورغم أن المأوى افتتح نهاية العام الماضي إلا أنه لم يستقبل أي امرأة معنفة حتى الآن.


انتصار كريم، المشرفة على المأوى ومسؤولة قسم تمكين المرأة في إدارة محافظة كركوك، قالت لـ(كركوك ناو)، "لم نستلم اية قضية حتى الآن ولا نستطيع استقبال تلك الفتاة، جميع الإجراءات المتعلقة بعمل المأوى مكتملة، لكن يجب أن تصلنا التوجيهات من بغداد للبدء باستقبال النساء المعنفات".


واختتم والد لارا حديثه لـ(كركوك ناو) بالقول "يكاد رأسي ينفجر من كثرة همومي، هي ابنتي وأريدها أن تعيش معنا".

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT