الشورجة وسط دخان "السرطان"
محرقة مركز للأورام تهدد سكان عدة أحياء في كركوك

كركوك/2025/ انبعاث الدخان الأسود من محرقة مركز علاج أمراض السرطان خلال عملية حرق النفايات الطبية    تصوير: كركوك ناو

كركوك ناو- كركوك

لا يمر أسبوع دون أن تشاهَد سحب الدخان الأسود المختلط بمواد مسرطنة وهي تتوجه من وسط حي الشورجة شرقي كركوك نحو حي المصلى وعدد من الأحياء الأخرى الواقعة غربي المدينة، لتشكل "أخطر" تهديد على البيئة وصحة السكان.

محرقة مركز علاج أمراض السرطان بحي الشورجة أصبحت كابوساً يهدد المواطنين والماء والتربة والخضرة، حيث يتم فيها حرق النفايات الطبية دون استخدام فلاتر وتلوث أدخنتها السامة هواء المناطق المحيطة بها.

يتكون المركز من مبنيين، أحدهما قديم يعرف بـ(البلدة) وكان سابقاً دائرة مرور مركز المدينة ، والمبنى الآخر يتألف من ثلاثة طوابق تم إنشاؤه من قبل إدارة المحافظة وعدد من المتبرعين.

يراجع المركز يومياً ما بين 50 و 100 مواطن لتلقي العلاج لأمراض السرطان ونقص المناعة، فضلاً عن عشرات الآخرين الذين يقصدون المركز لإجراء فحوصات مختلفة. تقع المحرقة في ساحة المبنى ويستنشق دخانها المرضى قبل غيرهم من المواطنين.

"من الناحية الصحية والبيئية، هذا الدخان يسبب أضرار كبيرة للمواطنين، وخطورته أكبر على العاملين في مستشفانا"، حسبما قال مدير مركز علاج أمراض السرطان، نياز أحمد، لـ(كركوك ناو).

من الناحية الصحية والبيئية، هذا الدخان يسبب أضرار كبيرة للمواطنين

تحيط بالمركز محال تصليح السيارات، سوق شعبي وساحة لبيع وشراء المواد المعدنية، وتقع خلفها مناطق سكنية ومدرستان، ويتواجد عدد من باعة الخضر والفواكه على امتداد الرصيف المحاذي لجدران المركز.

 يبعد منزل داروان جاسم (33 سنة) بضعة مئات من الأمتار خلف المركز، "دخان المحرقة يسبب لنا إزعاجاً كبيراً، معاناتنا مضاعفة، من جهة نعاني من دخان آبار النفط القريبة من الشورجة ومن جهة أخرى دخان المحرقة".

يتم تشغيل المحرقة مرة أو مرتين على الأقل في الأسبوع ، حسب حجم النفايات المتراكمة، حيث أن كميتها متفاوتة. تستغرق عملية الحرق في كل مرة ما بين ساعة وساعة ونصف. حركة الدخان المنبعث تتغير بحسب اتجاه الرياح، أحياناً يتوجه الدخان من الشورجة نحو الأحياء الغربية، وأحياناً أخرى نحو أحياء بولاق والإسكان شرقي المدينة.

تقول نسرين جهاد (57) سنة، ربة بيت تسكن في حي بولاق الذي يبعد كيلومترين عن مركز علاج السرطان، "حينما تكون الرياح متجهة صوب حينا، تصلنا الأدخنة والروائح الكريهة ونصبح في حالة يرثى لها".

وتساءلت نسرين بنبرة احتجاج عن سبب حرق النفايات الطبية داخل المستشفيات وتعريض المواطنين للسموم والأمراض، "هل المستشفيات أماكن لتقديم العلاج أم لنشر الدخان والسموم؟"، لتجيب بنفسها دون أن تنتظر المسؤولين، "للأسف لا أحد يكترث".

فيديو: محرقة مركز علاج أمراض السرطان في كركوك

يستنشق 90 بالمائة من سكان دول العالم هواءً ملوثاً وغير صحي، من بينها هواء العراق الذي يعتبر من بين "الأكثر تلوثاً"، وفقاً لبيانات منظمة (آي كيو إير) السويسرية المختصة بتكنلوجيا جودة الهواء.

كما تحذر المنظمة العالمية للصحة من أن تلوث الهواء داخل وخارج المنزل يشكل تهديداً كبيراً على حياة البشر، حيث يؤدي إلى الوفاة المبكرة لسبعة ملايين شخص سنوياً.

محمد خضر، طبيب استشاري وخبير في مجال البيئة، قال لـ(كركوك ناو)، "أثناء حرق النفايات الطبية تنبعث بعض الغازات السامة منها الديوكسينات والفورانات، وهي مواد مسرطنة تؤثر بشكل مباشر على صحة الإنسان"، وأشار إلى أنها تؤثر سلباً على المياه، الأراضي الزراعية، مناخ المنطقة والمنتجات الحيوانية.

تشدد القوانين والتعليمات على ضرورة أن تكون محارق النفايات الطبية بعيدة عن المدن، بحيث تبعد مسافة كبيرة عن المناطق السكنية لأنها تأثيرها مباشر على صحة المواطنين وتؤدي إلى الإصابة بالعديد من الأمراض.

"حالياً، تشكل النفايات الطبية أحد أخطر التهديدات على البيئة والصحة في العراق"، بحسب الدكتور محمد خضر.

لا توجد معايير بيئية في أي من محارق كركوك

تضم ساحة مركز علاج السرطان، بالإضافة إلى المحرقة مساحة واسعة لركن المركبات، مع القليل من الخضرة المتمثلة بحديقة صغيرة تبلغ مساحتها حوالي 200 متر مربع، تقع في المبنى القديم مع عدد من الأشجار في الجزء الأمامي من المستشفى.

"المحرقة تعمل غالباً خلال ساعات الليل، حقاً إنه منظر مزعج، فضلاً عن كون المحرقة سبباً رئيسياً للإصابة بأمراض شتى"، يقول عباس عبدالله (42 سنة)، وهو موظف يبعد منزله بضعة مئات من الأمتار عن المركز.

وقال عباس مستغرباً، "كيف يمكن للحكومة أن لا تكون مطلعة على هذا الموضوع!"، عباس ينتظر حلاً عاجلاً من إدارة كركوك، "أي منطق يتقبل أن يتحول المستشفى الذي يقدم العلاج لمرضى السرطان إلى مكان لنفث الدخان والغازات السامة على السكان".

وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة، يعتبر العراق خامس أكثر دول العالم تأثراً بتداعيات تغير المناخ نظراً للتحديات البيئية الكثيرة التي تواجهه بدءاً من عمليات انتاج النفط والغاز، وصولاً إلى غياب معالجات علمية للنفايات التي تصل إلى 12 مليون طن سنويًا، ما يؤدي إلى تلوث الهواء.

وزارة الصحة العراقية تحذر من أن تلوث البيئة يعد أحد أسباب الإصابة بالسرطان. في ام 2024 سجل مركز علاج أمراض السرطان في كركوك ألف و276 حالة إصابة بأورام صلبة و ألف و628 حالة إصابة بأمراض الدم من بينها الهيموفيليا. وتشير الاحصائيات إلى أن سرطان الرئة ثاني أكثر الحالات شيوعاً في العراق.

Naxoshkhanaa
كركوك/2025/ محرقة مركز علاج أمراض السرطان لا يتم تشغيلها خلال ساعات النهار    تصوير: كركوك ناو

مدير دائرة بيئة كركوك، علي عزالدين، قال لـ(كركوك ناو)، "لا توجد معايير بيئية في أي من محارق كركوك". يوجد في كركوك أربع محارق للنفايات الطبية، من ضمنها محرقة مستشفى آزادي، محرقة المستشفى الجمهوري ومحرقة أخرى في حي الصيادة، جميعها تابعة لوزارة الصحة العراقية.

لا تملك أي من المحارق تصاريح بيئية رسمية وتنبعث منها أدخنة سوداء تؤثر على البيئة والصحة العامة. ويقول عزالدين بأن دائرته أبلغت المحارق مراراً بكتب رسمية وفرضت عليها غرامات مالية ووصل الحد أحياناً إلى إصدار أوامر بإغلاقها، "لكن لا يمكن إغلاقها لأن ذلك سيؤدي إلى تراكن النفايات الطبية".

كامران قادر (37 سنة)، الساكن في حي الشورجة القريب من المستشفى، يقول إن "حرق النفايات الطبية يؤدي إلى انبعاث روائح كريهة وانتشار الدخان في الأحياء والأسواق... للأسف لا أحد يهتم بحل المشكلة".

مدير بيئة كركوك أوضح بأن معالجة المشكلة ليس بتلك الصعوبة، واشار إلى أن وجود مثرمات في المحارق سيكون مفيداً حيث سيتم ثرم النفايات قبل حرقها بحيث تتقلص 10 كيلوغرامات من النفايات إلى حوالي كيلوغرامين، "حينها سيقل التهديد بنسبة 90 بالمائة".

إدارة محافظة كركوك قررت في آذار الماضي شراء جهازين خاصين بإعادة تدوير النفايات بطريقة حديثة بدلاً من حرقها، كما خصصت 500 مليون دينار لشراء الأدوية والمستلزمات الصحية لمركز علاج أمراض السرطان.

بدأت محرقة مركز علاج السرطان في كركوك بالعمل في 2003 وتم تعيين كوادر خاصة لها. المحرقة كانت تمتلك سابقاً مثرمة لكنها الآن خارجة عن الخدمة. وقال نياز أحمد "وعدونا بشراء مثرمة جديدة للمحرقة بهدف تقليل الدخان المنبعث.. خاطبت الجهات المعنية لإنشاء محرقة خارج المدينة وفق المواصفات العالمية". 

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT