بعد ثلاثة عقود في كركوك.. هاوري أنور: أنا من مفقودي حلبجة

حلبجة/ 16 آذار 2022/ هاوري آزاد في مراسيم الذكرى الرابعة والثلاثين لقصف حلبجة بالأسلحة الكيمياوية، الى جانب صورة له في طفولته   تصوير: تروسكه علي

كاروان الصالحي – كركوك

أخبروني بأنني لست ابن هذه العائلة، وأنني من مدينة حلبجة"، بعد ثلاثة عقود عاشها في كنف أسرة كركوكية، مسك هاوري أنور أيادي أطفاله الثلاثة وتوجه الى حلبجة، تجول في مقبرة الشهداء بالمدينة وقال، "أريد أن أعرف أين أبي وأمي وأقاربي."

في حزيران 2021، جرت محادثة بين هاوري والامرأة التي كانت ترعاه مثل والدته بشأن قضية الميراث، أثناء تلك المحادثة ابلغوه بأنه "ليس ابن العائلة"، حسبما قال هاوري لـ(كركوك ناو).

يقول هاوري، "أخبرتني أمي بأنني لست ابن هذه العائلة وأني من أطفال حلبجة الذين فُقِدوا عقب قصف المدينة بالأسلحة الكيمياوية"، في تلك اللحظة أحس هاوري بصدمة لم تفارقه حتى الآن.

ويضيف هاوري، "إذن ما كان سكان الحي يقولونه صحيح، حين أخبروني بأني لست ابن تلك العائلة".

حسب بطاقة الأحوال المدنية، ولد هاوري أنور في بغداد في 13 كانون الثاني 1986.

ولفت هاوري الى أن بعض أطفال حي رحيماوا بمدينة كركوك، أخبروه بأنه لا ينتمي لتلك الأسرة، وظلت هذه الكلمات تجول في خاطره طوال السنين.

يقول هاوري، "كلما قالوا لي ذلك، كنت أستفسر عن صحة ذلك من والدي، لكنه كان يخبرني بأن ما يقولونه غير صحيح، وبأنني ابنهم".

تفجرت هذه القضية بعد وفاة أنور عسكر في حزيران 2021 جراء إصابته بفيروس كورونا، حين طفت على السطح قضية الميراث.

"في أحد الأيام، قالت لي والدتي بأنني لست ابن تلك العائلة"، وأضاف، "بعدها أدركت بأن ما كان أطفال الحي يقولونه صحيح... بعض أصدقائي كانوا يقولون لي على الدوام بأنني لست ابن ذلك الرجل".

الجهات الأمنية في حكومة اقليم كوردستان طلبت مني المحافظة عليها لحين العثور على عائلتي الأصلية

بينما كان هاوري يتحدث مع والدته بشأن الميراث، قالت له "بإمكانك أن تبيع سيارة والدك –برازيلي زرقاء اللون-، حين ذهبت لبيعها وقعت عيناي على مجموعة من الوثائق داخل السيارة، اطّلعت على مضمون الوثائق وكانت تشير بصورة عامة الي تاريخ تسليمي لوالدي (أنور)."

"حسب تلك الوثائق، جرى تسليمي من قبل جندي عراقي لملجأ ايتام في منطقة الكرادة ببغداد في آذار 1988، وكان اسمي في الملجأ هو وليد"، وأردف هاوري قائلاً، "يبدو أن ذلك الجندي هو من اختار ذلك الاسم لي حين سلمني لملجأ الأيتام."

يشك هاوري بأن والدته تعمدت وضع تلك الوثائق في السيارة حتى يتأكد هاوري من أنه ليس ابن تلك العائلة.

في 16 آذار 1988، قصفت الحكومة العراقية إبان فترة حكم حزب البعث برئاسة صدام حسن، مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية، وحسب احصائيات حكومة اقليم كوردستان لقي خمسة آلاف شخص حتفهم واصيب أكثر من 10 آلاف آخرين بجروح.

حسب الوثائق، جرى تسليم هاوري لـ(أنور عسكر) في شهر آب 1988، والذي كان حلقاً معروفً في كركوك. وقال هاوري، " حصلت على شهادة الجنسية من قبل الحكومة العراقية وفقاً للإجراءات القانونية وتم تغيير اسمي الى هاوري".

hawre
هاوري أنور في المقبرة الخاصة بضحايا حلبجة   تصوير: من حساب هاوري آزاد على موقع فيسبوك

تشير الوثائق الى أن عمر هاوري كان سنتين و سبعة اشهر حين تبناه أنور عسكر.

أنور عسكر من أهالي حي رحيماوا ، وهي من أحياء مدينة كركوك الكبيرة وتقطنها غالبية من الكورد.

رفض هاوري إعطاء أي من تلك الوثائق لـ(كركوك ناو)، لأنه قال، "الجهات الأمنية في حكومة اقليم كوردستان طلبت مني المحافظة عليها لحين العثور على عائلتي الأصلية".

أطلعنا هاوري على صورة له مرتدياً ملابس مراء، وقال "ربما تعود هذه الصورة للفترة التي تم فيها تسليمي لوالدي (أنور عسكر)".

باستثناء ما كان يقوله البعض من أطفال الحي، يقول هاوري "لم يخبرني أحد بأنني لست ابن تلك العائلة، لم أجرب ذلك الشعور بأن هؤلاء ليسوا عائلتي الحقيقية".

وأضاف، "لا زلت أحظى بحب ودعم أعمامي".

ورث هاوري أنور مهنة الحلاقة عن والده، كما كان يعمل كمصور فوتوغرافي لمؤسسة اعلامية. هاوري متزوج وأب لثلاثة أطفال.

hawree
هاوري أنور أطلع (كركوك ناو) على هذه الصورة التي يعتقد بأنها تعود للفترة التي تبناه فيها أنور عسكر  

هاوري أحد الشبان الذين تطوعوا لمساعدة أطفال النازحين في المخيمات، حيث كان يحلق شعر الأطفال دون مقابل، وقد نشرت (كركوك ناو) أحد أعماله التطوعية لسكان المخيمات.

أنور عسكر له ابنة فضلاً عن هاوري.

أسرة أنور تفادت الحديث حول قضية هاوري لكنهم شددوا على أن "ما يقوله هاوري بشأن القضية صحيح"، كما أكدوا بأنهم يعتبرون هاوري ابن أنور عسكر وعلاقتهم به لم تتغير.

علي جمال، من سكنة حي رحيماوا بكركوك ويعيش في نفس الزقاق الذي يقع فيه منزل أنور عسكر، يقول علي "كنا نعرف بأن المرحوم أنور أحضر ذلك الطفل من بغداد لكي يتبناه لأنه لم يكن لديه ابن حينها، لكننا لم نكن نعرف التفاصيل، كان شأناً خاصاً بهم، لم يخوضوا في التفاصيل و لم نسألهم عنها".

وتابع قائلاً، "العديد من سكان الحي كانوا على علم بذلك ولم يكن شيئاً مخفياً".

وقال علي واصفاً هاوري أنور، "كان شخصاً حسن المعشر في طفولته وشبابه أيضاً، كان شخصاً محبوباً واجتماعياً".

بعد أن أخبرته والدته بأنه ليس ابنهم، زار هاوري حلبجة وبدأ رحلة البحث عن ذويه بمساعدة عدة أشخاص.

hawreef
   صورة لـ(هاوري أنور).    حصلت (كركوك ناو) على الصورة حصرياً من هاوري أنور

في هذا اليوم، 16 آذار 2022، والذي يصادف الذكرى الرابعة والثلاثون لقصف حلبجة بالأسلحة الكيمياوية، كان هاوري متواجداً في مسقط رأسه، "أنا هنا لكي أعثر على أسرتي الحقيقية".

منظمة أطفال حلبجة المفقودين سجّلت حتى الآن أسماء 211 طفلاً فقدوا إبان فاجعة حلبجة، كما تلقت المنظمات 74 طلباً للعثور على أطفال مفقودين.

مديرة المنظمة، شونم عبدالله محمد، قالت لـ(كركوك ناو)، "حين علمت بالقضية، ذهبت بنفسي لأبحث عن هاوري أنور، أحضرته من كركوك الى حلبجة، راجعنا الجهات المعنية التي من الضروري أن تعمل للعثور على ذوي المفقودين".

تقول شونم، "هاوري أنور أبلغ الجهات الأمنية وسلمها جميع الوثائق التي كانت بحوزته... وزارة الداخلية وجهت بدورها كتاباً الى إدارة محافظة حلبجة والتي أحالت القضية الى المحكمة".

الآن، قضية هاوري أنور في محكمة حلبجة.

 مديرة منظمة أطفال حلبجة المفقودين التي تتولى العمل على هذه القضايا قالت لـ(كركوك ناو)، "طلبت المحكمة إجراء فحص الحمض النووي (DNA) لـ(هاوري أنور)، لمقارنة النتائج مع فخوص الأشخاص الذين سجلوا دعاوى للعثور على أطفالهم المفقودين... يجب أن تأخذ الحكومة على عاتقها كلفة إجراء فحص الحمض النووي".

يقول هاوري، "تعهدت عدة جهات وشخصيات بالتكفل بمصاريف الفحص، في ذكرى قصف حلبجة أطالب بتنفيذ الوعود".

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT